أسمح لنفسي باعتباري قارئاً يومياً مواظباً للصحافة الإماراتية والخليجية، والعربية والعالمية، أن أشارك في النقاش الدائر حول الصحافة الناطقة بالإنجليزية في الإمارات. ولعلي أبدأ من أمثلة صدمتني في هذه الصحافة على مدى سنوات، ومن الأمثلة أني كنت أقرأ عنوان إحدى الصحف، وكان العنوان يمتد على ثمانية أعمدة في رأس الصفحة الأولى، ويتحدث عن "فساد وتغيير حكومي". أذكر أنني "فركت" عيني، وأعدت القراءة، ثم قرأت نص الخبر، وتبدد الاستغراب فوراً، فالحديث هو عن بريطانيا. كان ذلك مثلاً على خلل مهني؛ فلا يجوز إغفال اسم الدولة التي تتحدث عنها إلا إن كان الحديث عن الدولة "الأم" للصحيفة، فمثل هذا العنوان لا غبار عليه في بريطانيا، أما في الإمارات فلا يجوز عدم ذكر اسم الدولة موضوع الخبر إلا إذا كان الموضوع محلياً. قصة أخرى؛ كانت إحدى الصحف ناقشت قضية الانتخابات البلدية "المزمعة" في إحدى إمارات الدولة، وقد انزعجت آنذاك لأسباب أحدها شخصي، فقد اعتقدت أنّ خبراً بهذه الأهمية قد فاتني، كما استغربت أن الصحيفة، وبينما الصحف الأخرى صامتة، انفردت دون غيرها وعلى مدى أيّام بنقاش الموضوع، متسائلة أسئلة مثل، هل تتبنى الإمارات الأخرى الانتخابات؟ عدت أبحث عن أصل الخبر، فوجدت أنّه لم يفتني شيء، فالخبر كان عن "احتمال التفكير" بهذه الخطوة مستقبلاً. لا يتسع المقال لذكر كل الأمثلة التي تختزنها ذاكرتي، وهي كثيرة، وقد استذكرتها في إطار الجدل الدائر هذه الأيّام بشأن مقالات ناقدة لقرار وزير العمل في الإمارات توطين مهن بعينها، (السكرتاريا والموارد البشرية)، وأعتقد وبقراءة مستفيضة للصحافة الأجنبية أنّ الغالبية العظمى، مع وجود استثناءات، تعاملت مع الموضوع بإيجابية، حتى وإن تضمن تساؤلات وتحفظات معينة، بعضها من باب الحرص على نجاح التوطين، لا رفضه. مشكلة الصحافة الناطقة بالإنجليزية في الدولة، ليست قضية حرية رأي، وليست في تضارب المصالح بين الوافد والمواطن، بقدر ما هي في درجة "الحرفية" والمهنيّة. هناك صحافة ناطقة بالإنجليزية في الدولة، تفتقر حتى للغة الإنجليزية السليمة، وقد استعنت في إحدى المرات بصديق من أبناء اللغة الإنجليزية ذاتها، من ممتهني اللغة والكتابة، لأتأكد بالفعل من انطباعي أن إحدى الصحف تتجاوز النسبة المقبولة، يومياً، من حيث الأخطاء اللغوية. والصحافيون في بعض هذه الصحف، جاءوا للعمل دون خبرة مناسبة أو كافية، أو حتى تأهيل علمي يبرر تفضيلهم عن مواطني الإمارات. جزء من إفرازات نقص الخبرة، هو بروز صور نمطية سلبية خاطئة مختزنة في أذهان بعضهم، عن المواطن الخليجي، وأحياناً العرب ككل، تعكسها كتاباتهم. كذلك فإنّ بعض هؤلاء، ومعهم بعض الإماراتيين العاملين بهذه الصحف، لا يفهمون دورهم في كشف الحقائق والأخبار بموضوعية، فنجد بعض الصحف تتبنى فكرة "الحملات" لتغطية قضية معينة، وهذه الحملات تصل حد إبراز وتضخيم بعض القضايا والتصريحات والقصص، وإغفال جوانب أخرى، لا تدعم حملتهم، وهو أمر أراه إما في إطار حماس صحافيين شباب مبتدئين، لديهم "نفس" استشراقي" استعلائي يرى واجبه في الدفع باتجاه قرارات معينة، حتى وإن كانت تنقصهم المعرفة بشؤون الإمارات الداخلية، وفي الحياة عموماً، أو في إطار صحافيين، بعضهم إماراتيون، يهمهم استقطاب القراء وزيادة التوزيع. هناك صحافة إماراتية ناطقة بالإنجليزية، لا يمكن إلا أن تحني الرأس احتراماً لها، وأن تفخر بها، وأنا شخصياً أوصي عادة أي صديق غير عربي، يرغب بالقراءة عن أحوال العالم العربي والخليج، بصحيفة إماراتية معينة، أراها تتمتع بموضوعية، ومهنية عالية، أستنكف عن ذكر اسمها هنا، لأسباب معروفة. ولكن في حالة صحف أخرى، أرى أنّ الموضوع لا يتعلق بحرية الرأي، وبوجهة نظر أجنبية، غير مواطنة، تتناول القضايا المحلية، بقدر ما يتعلق بأصول المهنة وضوابطها، وهذا ما يدفع للتفكير في وضع آليّات ومحددات من قبل الجسم الصحافي الإماراتي ذاته، لتنظيم مهنة الصحافة، بالدولة، ولوضع معايير ومواثيق تضبط العملية الصحافية، ومؤهلات العاملين بها، والقائمين على تحرير الصحافة "المحلية" الإنجليزية.