تشهد الساحة السياسية المصرية حالة جدل ساخن في قاعات البرلمان وفي نقابة الصحفيين، حول مشروع قانون تقدمت به الحكومة إلى مجلس الشعب لتعديل بعض أحكام قانون العقوبات المتصلة بجرائم النشر. المفروض أن هذا المشروع يأتي في إطار وفاء الحكومة بوعد الرئيس المصري محمد حسني مبارك، حول إلغاء عقوبة الحبس للصحفيين والكتّاب في قضايا النشر، تأكيداً للمناخ التشريعي والقانوني اللازم لازدهار حرية التفكير والتعبير والنشر. المشروع المقدم، ورغم أنه اقترح بالفعل إلغاء عقوبة الحبس في بعض القضايا، أصبح محلاً للخلاف، وذلك لأنه لم يحقق من وجهة نظر نقابة الصحفيين، الإلغاء الكامل لهذه العقوبة في جميع حالات المخالفة للقانون. وفي إطار الجدل حول الموضوع، أعلن بعض نواب البرلمان المستقلين، أن الصحفيين متمسكون بوعد الرئيس بالإلغاء الكامل للعقوبة السالبة لحرية الكاتب أو الصحفي، غير أن رئيس مجلس الشعب ميز من وجهة نظره، بين وعود الرئيس الممثل للسلطة التنفيذية وبين دور البرلمان كممثل للسلطة التشريعية، عندما قال: إن الرئيس يقول ونحن الذين نشرع ولو تمسكنا بكلماته باعتبارها قانوناً نكون بلداً غير ديمقراطي. لقد رفع رئيس مجلس الشعب بهذه الكلمات شعار الفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في وجه نواب المعارضة والمستقلين الذين يتشبثون بالتنفيذ الحرفي لوعد رئيس الجمهورية. وفي نفس الوقت وجد هؤلاء النواب أنفسهم في ورطة حقيقية، أثناء المناقشة التي جرت منذ أيام في اللجنة التشريعية لمجلس الشعب. ذلك أنهم لو رفضوا الموافقة على المشروع المقدم من الحكومة من حيث المبدأ، فإن معنى ذلك أنهم يرفضون إلغاء عقوبة الحبس في بعض الجرائم، كما نص المشروع، وبالتالي يكونون كمن يرفض الممكن طلباً للمستحيل، أو كمن يخالف المقولة المأثورة القائلة، ما لا يدرك كله لا يترك كله. ولقد حاول رئيس مجلس الشعب رغم انتمائه للحزب الحاكم، أن يبين للنواب خطورة رفض المشروع، حيث إن هذا الرفض سيعني الإبقاء على العقوبات الخاصة بالحبس كما هي في جميع مواد القانون الحالي، ومن هنا فقد نصح النواب بأن يوافقوا على مشروع القانون من حيث المبدأ في اللجنة التشريعية، على أن يتقدموا بمقترحاتهم بتعديل المواد بالشكل المحقق لطموحهم في الإلغاء الشامل لعقوبة الحبس عند مناقشة كل مادة من المواد على حدة. إن هذه النهاية التوافقية تفتح الباب خلال جلسات مجلس الشعب التي تبدأ الأسبوع المقبل لمزيد من الحوار التفصيلي الساخن في الجلسة العامة للمجلس. ولا يستطيع المراقبون حتى الإقرار النهائي للمواد، الجزم بالصورة النهائية التي ستنتهي إليها عقوبة الحبس في قضايا النشر، وهل ستلغى كلية أم تلغى في بعض الجرائم وتبقى في أخرى. إن علة عدم الجزم ترجع إلى المناشدة التي رفعها نقيب الصحفيين المصريين، إلى الرئيس مبارك مطالباً إياه بالتدخل لدى الحكومة لتطبيق وعده بإلغاء عقوبة الحبس إلغاءً شاملاً. وبالتالي فإن احتمال تدخل الرئيس لدى الحكومة يبقى أمراً وارداً إلى اللحظة الأخيرة قبل صدور القانون. وإذا نظرنا في المشروع المقدم من جانب الحكومة والذي هو محل الجدل، فإننا سنجده قد أقدم على إلغاء عقوبة الحبس، وعوض عن هذا الإلغاء للعقوبة السالبة للحرية بمضاعفة عقوبة الغرامة المقررة إلى الضعف في بعض الجرائم، وهو تطور اعترف نقيب الصحفيين بأنه أمر إيجابي لا يمكن إنكاره وإن كان يجب استكماله في سائر مواد العقوبات. لقد نص المشروع الحكومي على إلغاء الحبس في الجرائم المنصوص عليها في المواد 183 و185 و303 و306 من قانون العقوبات، وهي جرائم العيب في حق ممثل لدولة أجنبية معتمد في مصر وجريمة سب الموظف العام أو الشخص ذي الصفة النيابية العامة وجريمة القذف في حق الأفراد أو الموظف العمومي. هذا في حين يبقي مشروع القانون على عقوبة الحبس في بعض الحالات، منها جريمة العيب في حق ملك أو رئيس دولة أجنبية أو إصدار صحيفة بدون ترخيص، أو إذا تضمن العيب أو الإهانة أو القذف طعناً في عرض المجني عليه أو ذمته أو خدشاً للسمعة العائلية.