التنمية المستدامة حلم يراود كل دولة لإسعاد مواطنيها وتطوير مواردها وصيانة بيئتها بكل عناصرها ومكوّناتها، من خلال خطط وبرامج واستراتيجيات تعالج الفجوة بين بناء الإنسان وبناء المكان من منظور متكامل اقتصادي واجتماعي وبيئي يضمن للأجيال الحالية حقوقها ورفاهيتها دون إضرار بحقوق الأجيال المقبلة. إن محصلة مسيرة التنمية في الإمارات تضمنت قدراً كبيراً من الإنجازات في العديد من المجالات، ولكنها في الوقت نفسه لا تزال تسير من دون خطط أو استراتيجيات يعتمد عليها صنّاع القرار في المؤسسات الحكومية والخاصة، وتكون بمنزلة خرائط طريق التنمية تقدم كامل المشهد حاضراً ومستقبلاً. إن غياب التوجّه القومي الموحّد ظل طيلة العقود الثلاثة الماضية يمثل التحدي الأكبر الذي يواجه مسيرة التنمية الاقتصادية التي ظلت تعاني بصورة متفاقمة تباين السياسات الاقتصادية، الأمر الذي خلق بدوره ازدواجية في الأنشطة والمشروعات، بل خلق تنافساً مضرّاً بين المنشآت ذات المنتج الواحد في مختلف الإمارات، في معركة أفنت العديد منها، وأهدرت موارد اقتصادية طائلة، بينما تفتت الوعاء الاقتصادي للدولة ليشمل القطاع الخاص أكثر من ربع مليون منشأة، 95% منها منشآت صغيرة الحجم، وما يقرب من 10% منها وهمية ولا وجود لها في الأساس، بل همّها جلب العمالة الوافدة وتسريحها داخل الدولة. إن أغلب هذه المنشآت بوضعها الحالي لا يضيف أي قيمة حقيقية للاقتصاد الوطني، بل على العكس من ذلك فهي تعتبر عبئاً ثقيلاً عليه من خلال ما تفرزه من انعكاسات اجتماعية وأمنية سالبة. وقد أسهم في تعزيز هذا الاتجاه عدم وجود خطة تنموية أو رؤية استراتيجية على المستوى الاتحادي، بعد أن تعطلت في مهدها الخطة التنموية الخمسية الوحيدة التي تم إعدادها من قبل وزارة التخطيط خلال النصف الأول من حقبة الثمانينيات. إن جميع الوزارات الاتحادية تحتوي إدارات تُعنى بشؤون التخطيط بطريقة أو بأخرى، إلا أن الملاحظ في الوقت نفسه، غياب التخطيط في كل جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الدولة، بداية بالاقتصاد القومي والتعليم والصحة والعمل والتعمير والمرور وغيرها، وجميعها قطاعات تعاني معضلات مزمنة مردها الأساسي غياب الخطط والاستراتيجيات. ففي ظل غياب واضح للتخطيط في أهم محاور التنمية، ركزت سياسة التعليم وبشكل رئيس على الجانب الكمي، طيلة العقود الثلاثة الماضية، وحققت إنجازات قياسية، ولكنها في المقابل لم تهتم بمضمون التعليم ونوعية مخرجاته، مما خلق فجوة واسعة بين مخرجات التعليم ومتطلبات التنمية واحتياجات سوق العمل. وفي ظل غياب التخطيط بمفهومه الشامل، خاصة التخطيط الحضري، الذي يواكب الطفرة التنموية والعمرانية التي تشهدها الدولة على الأصعدة كافة، برزت تطورات غير متناسقة ما بين العديد من المعايير، أدى إلى إفرازات سلبية عديدة، منها الضغوط التي تشهدها المرافق والبنية التحتية والازدحام المروري الذي تشهده طرقات المدن الرئيسية في الدولة اليوم، وندرة مواقف السيارات التي باتت مشكلة تؤرق الكثير من السائقين، مما يجبرهم في نهاية الأمر على مخالفة القوانين. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.