مزاج الشارع الكويتي سار بعكس التوقعات الحكومية. كتلة 29 نائباً التي قادت الصراع حول مشروع الدوائر الانتخابية، خاضت معركة حامية, خصوصاً أن بعض رموزها واجه حملة شرسة بهدف إسقاطه، إلا أن الناخبين جاءوا بهم مرة أخرى إلى كرسي النيابة البرلمانية, ورجعت الكتلة المتباينة بتوجهاتها السياسية، بل زاد عددها، ما يؤكد الموقف الشعبي المعاكس لرغبات الحكومة. ونرى أن الحكومة الكويتية تتجه نحو التهدئة، حيث بادرت إلى سحب مشروعها حول الدوائر الانتخابية، ويبدو أنها أدركت أن المواجهة حامية وأنها لن تملك الغالبية في المجلس القادم، وخصوصاً بعد أن سقطت رموز حكومية معروفة وانضمام نواب جدد عرفوا بصلابتهم. المجلس التشريعي الكويتي الجديد, مجلس من العيار الثقيل، وهو مجلس لن تملك الحكومة سوى العمل على كسب رضاه من خلال حل أزمة الدوائر الانتخابية والتصدي لموضوع الفساد، وذلك لكي تنزع فتيل الأزمة الأخيرة. يبدو أن توقعات الحكومة لم تكن مبنية على فهم لطبيعة الصراع الدائر ومن ثم كانت النتائج بمثابة رسائل سياسية إلى السلطة التي عليها إعادة حساباتها وفق رؤية جديدة لكي تتمكن من امتصاص النقمة الشعبية. وتجد الحكومة نفسها أمام خيارات ضيقة, وليس أمامها سوى التعامل مع المستجدات الجديدة والتعامل بروية وعقلانية معها، ولا يمكنها تجاهل رغبات الشارع. لم يعد من الحكمة أن تستمر الأوضاع المتوترة في الكويت, ولم يعد من العقل أن يستمر نهج التجاهل لمعالجة بؤر الاحتقان في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية, فالظروف المحلية والإقليمية لا تساعد على بقاء الوضع كما هو عليه, فالكويت تراجعت إلى الوراء في ميادين عديدة وبات مطلب الالتفات إلى الأوضاع الداخلية أمراً ملحاً جداً. التغيير الذي جاء عكس توقعات الحكومة بحاجة إلى تحليل معمق لطبيعة القوى السياسية الحاكمة للشارع, البعض يشعر بقلق من دخول المرأة ويعتبر أن دخولها عزز مواقع نواب القبيلة والتيارات الدينية، والبعض الآخر يرى أن تهاون الحكومة وغياب الرؤية، أديا إلى الانقلاب في مزاج الشارع الكويتي. ويبدو أن المرأة، وكما كان متوقعاً، صبت أصواتها لصالح التحالف القبلي الديني وهذا لا غرابة فيه، حيث إن القبيلة والتيارات الدينية هما الأقوى تنظيمياً مما قد ينذر بمخاطر تهدد الديمقراطية. الديمقراطية في الكويت بحاجة إلى مراجعة, والمراجعة لا تعني التراجع عن المكاسب كما أنها لا تعني البحث عن خيارات غير ديمقراطية, بقدر ما أننا نؤكد بأن الديمقراطية التي أطرها دستور 1962, كانت نتاجاً لمجموعة من المعطيات الاجتماعية، وهي معطيات تغيرت بفعل الزمن وعليه يصبح تقييم التجربة أمراً في غاية الضرورة. الخوف يعترينا جميعاً من أن تتحول الديمقراطية إلى معول هدم على يد التحالف الديني القبلي, حيث هذه القوى لا ترى الديمقراطية إلا من خلال صناديق الاقتراع وترى أنه في حال وصولها إلى السلطة, ستسعى إلى فرض نفوذها والخوف أن تهمش القوى الأخرى تحت مظلة الديمقراطية. قوى التحالف القبلي الديني لا تنظر إلى الديمقراطية باعتبارها مشروعاً عقلانياً وبالتالي كل ما هو غير عقلاني لا يمكن القبول به. العقلانية تغيب في دفاتر التحالف الديني القبلي وخصوصاً أن التيار الديني يرى نفسه مالكاً لكل الحقيقة، وعلى ضوء هذا الفهم تتحول الديمقراطية إلى مشروع غير عقلاني قد يقود الكويت إلى مزيد من الأزمات. المجلس الجديد تملك فيه التيارات الدينية الأغلبية وقد تكون الانتخابات الكويتية امتداداً لانتخابات مصر وفلسطين, مما يعني غلبة التيار الديني على الشارع العربي، وهذا بحاجة إلى مزيد من البحث لفهم مستقبل الديمقراطية في البلاد العربية.