الأحوال في الصومال عجيبة غريبة, لا تعرف لها أولاً من آخر... حيث السلاح أرخص من الماء, وحيث لا قيمة للحفاظ على حياة الإنسان, ومع هذا هناك من يتحدثون عن إقامة "دولة إسلامية"! ترى هل فتح المقاتلون من أجل السلطة كتاب ربهم القرآن وقرأوا ما فيه عن حرمة القتل, وإحياء النفس؟.. كيف يمكن تفسير ما يحدث في هذا البلد المنكوب بأهله؟ دم المسلمين يذهب هدراً من أجل الصراع على السلطة, والناس لا تجد طعاماً نظيفاً أو علاجاً طبياً نافعاً, والطفل لا يجد تعليماً, والنفس لا تجد أمناً. باختصار الحياة في الصومال كما تعرضها القنوات الفضائية ليست موجودة على صعيد الواقع. هل يعقل أن يدمر الإنسان العاقل وطنه من أجل السلطة؟ وبسبب سوء الأوضاع نفض العرب أيديهم من الشأن الصومالي وشعارهم " فخار يكسّر بعضه", وهم لا يلامون على ذلك, كيف تساعد بلداً يسعى أهله بكل إصرار على تدميره! ومن الملاحظ أن الجماعات الدينية التي تتشدق بعمل الخير لا وجود لها هي الأخرى في الصومال, وإن كان لا يمكن لومها بسبب سوء الأوضاع, لكن لم نسمع قط عن أي محاولة للتوسط لحل النزاع القائم بين الفرق المتقاتلة. ومن الواضح أن الصومال حالة ميؤوس منها, وأنه لا أمل في إصلاح أوضاعها. العرب أعجز من العجز ذاته, والصراع على أشده ولا حل إلا بالتدخل الأميركي, كما حدث بالنسبة للسودان الذي عاش حرباً أهلية لأكثر من عشرين عاماً نال الناس نصيبهم منها همّاً وغمّاً وقتلاً وتشريداً دون فائدة, حتى جاءت أميركا وتخلى السودان عن حلم جماعة "الإخوان المسلمين" بقيادة الترابي, صاحب الفتاوى التي وضعته لدى البعض في مصاف الكفر, بإقامة الدولة الدينية... والآن توقفت الحرب وأعلن السودان تبني الدولة العلمانية, ومن يومها والأمور تتحسن, وقريباً سيتم إيداع مجرمي الحرب في دارفور السجن عن طريق المحكمة الجنائية الدولية. الأوضاع في الصومال تسير على نفس الوتيرة, خاصة بعد تدخل الولايات المتحدة الأميركية, ورفض الرئيس الأميركي إعلان رئيس قوات المحاكم الشرعية!! إقامة الدولة الإسلامية, مما دفعه لإنكار هذه الدعوة, وتسعى أميركا حالياً للإشراف على المفاوضات بين الأطراف المتحاربة, تمهيداً للتوصل إلى السلام المنشود والسيناريو الذي حدث في السودان سيتكرر في الصومال... ولا نقول سوى عجيب أمر أميركا التي يشتمها العرب ليل نهار, وفي نفس الوقت يستجدونها لحل مشاكلهم وتحرير بلادهم، كما هو الحال مع الفلسطينيين! وكالعادة, لابد من الاستعانة بالقوات الدولية لحفظ الأمن. وللأسف أن الصوماليين يعارضون رغبة ممثليهم في دعوة هذه القوات لسبب بسيط, ألا وهو أن وجود هذه القوات الدولية سينهي حالة الفوضى التي يستفيد منها الجميع, بل وتدر أرباحاً هائلة على المشاركين فيها. وقد قدرّ أحد البرامج الوثائقية أن الحواجز التي تقيمها المليشيات المسلحة تدرّ دخلاً يُقدّر بمئة ألف دولار شهرياً!! فلا عجب إذن لرفض دعوة القوات الدولية لفرض الأمن والسلام. الصومال بلد منكوب بأهله, ولاشك أنه سيحتاج وقتاً طويلاً حتى تستقر أحواله. لكن الخوف كل الخوف أن تدفع دول الخليج العربية ثمن إصلاح ما خربّه أمراء الحرب, وكأن الله قد خلقنا, كخليجيين, للصرف على دول جلبت التعاسة لشعوبها دون أن يتحمل المسؤولون عن هذه التعاسة الثمن!