المنطقة الجبلية الواقعة في شمال الشرق الأوسط بمحاذاة جبال زاكروس وجبال طوروس هي المنطقة التي سكن فيها الأكراد منذ القدم ويطلق عليها كردستان وهذه المنطقة عبارة عن (أجزاء من شمال العراق وشمال غرب إيران وشمال شرق سوريا وجنوب شرق تركيا) ويتواجد الأكراد بالإضافة إلى هذه المناطق (إقليم كردستان) بأعداد قليلة في جنوب غرب أرمينيا وبعض مناطق أذربيجان ولبنان، ويعتبر الأكراد إحدى أكبر القوميات في الشرق الأوسط التي لا تملك كياناً سياسياً، حيث يقدر تعدادها ما بين ثلاثين إلى خمسة وثلاثين مليون نسمة لها لغتها وثقافتها وتاريخها الخاص وإن كانت جزءاً من تاريخ المنطقة. لطالما كانت القضية الكردية ورقة سياسية مفضلة لمصالح الدول الجوار المتضاربة، فقد كانت اليونان وأرمينيا تستخدمانها ضد تركيا، وإيران ضد العراق، وسوريا ضد تركيا، أما اليوم فتمثل إمكانية قيام دولة كردية الهاجس والقلق الأكبر لتركيا وإيران وسوريا ووحدة العراق. وبرزت هذه الإمكانية في الرابع من أكتوبر 1992 عندما أعلنت الفيدرالية الكردية في شمال العراق، والتي ترجمت فوراً في لقاء بين إيران وسوريا وتركيا في نوفمبر 1992 لبحث المسألة الكردية وأبعادها. التعاطي مع القضية الكردية في إطار حق الأقليات في تقرير مصيرها وما استطاعت القضية الكردية تحقيقه في الوضع الراهن في حضورها الجغرافي والسياسي والعسكري والثقافي والإعلامي يجعلنا نطرح صورتين لوضع هذه القضية في المستقبل: أ- الحالة الحميدة: تمثل هذه الحالة بقاء إقليم كردستان في شمال العراق ضمن وحدة فيدرالية عراقية ومنع أية فيدرالية أخرى كالجنوب العراقي المسيطر عليه من قبل القيادة الشيعية، واندماج مليشيا قوات البشمرجة في القوات العراقية وإحكام الفيدرالية في المؤسسة الأمنية والسياسة الخارجية، أما الموارد الطبيعية وخاصة النفطية فإنها تذهب إلى الإقليم مع إيجاد مساهمة في الموازنة العامة للمناطق والأقاليم العراقية. فإقليم كردستان في شمال العراق غني بالنفط وهذا يجعل له استقلالية اقتصادية غير أنه حبيس (لا يطل على بحر أو خليج) ويقابل بحلقات صراعية متعددة الجوانب من دول الجوار المعنية بالقضية (تركيا وإيران وسوريا) وهذا يجعله يرى الوحدة الوطنية في إطار الفيدرالية العراقية السبيل الأمثل له، كما أنه يستطيع دعم الأكراد في دول الجوار من خلال خلق مؤتمر بالعراق يضم تركيا وإيران وسوريا لبحث وضع ضمانات وتشريعات وسياسات تضمن للأكراد في هذه الدول المواطنة والحفاظ على حقوقها، مما يجعل الأكراد رابطاً قوياً في العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية بين هذه الدول. كما أن الحالة الحميدة تحتاج إلى فترة زمنية لترسيخ مبادئ الديمقراطية والوحدة الوطنية من خلال الدستور والتشريعات وتداول السلطة في الدول التي تشمل إقليم كردستان. ب- الحالة الخبيثة: تستمد إمكانيتها في المستقبل عبر محورين الأول، أن الشعب والقيادة الكردية يخيم عليهما هاجس العودة إلى المآسي والتشرد والظلم بسبب خلفية السياسات للعراق ودول الجوار، وبذلك فالقيادة الكردية لا تحمل تصديق أي اتفاق أو وعد أو تعاون، وهذا واضح في خطابها في العراق عندما قالت "لو كانت مصلحة الأكراد مع الشيطان سنتحالف معه"، أي أنه لا وجود سوى للمصالح الكردية أولاً رغم تكرار الأكراد بأنهم لا يرغبون بدولة كإسرائيل. كما أن زيارة مسعود برزاني للكويت في الآونة الأخيرة وتصريحه بأن العلاقة مع إسرائيل ليست جريمة وإذا أقامت إسرائيل سفارة في بغداد فسيكون لها تمثيل في أربيل، فذلك يوحي بأن القيادة الكردية تمتلك حرية إقامة علاقات سياسية خارجية. والمحور الثاني هو الرغبة في تكوين دولة كردية في إقليم كردستان (أي ممتدة نحو أجزائه من إيران وتركيا وسوريا) وهذا يستمد قوته من مدى تمسك الشعب الكردي بتكوين دولة على أرضه التاريخية في الشرق الأوسط الذي يشهد بروز الدولة في طابع النزعة القومية والقطرية الضيقة. تخرج الحالة الخبيثة من خلال كثافة الاتصال السياسي والاقتصادي والثقافي وإنشاء منظمات ومليشيات كردية في تركيا وسوريا وإيران بصورة سرية وفي إطار دعم القومية الكردية من خلال الشرعية والقانون الدولي، فهنالك اتصال حدودي جغرافي كبير. مع ذلك تحدث حوادث سياسية وعسكرية تخلق فراغاً أو فوضى سياسية وأمنية في دول الجوار، مما يساعد في إيجاد محاولة انفصال مدعومة تستطيع فصل أجزاء جغرافية. مثال ذلك، رغم السيطرة الأمنية القوية في سوريا ما حدث في التاسع من أكتوبر 2005 حيث أصدرت محكمة امن الدولة حكماً بالسجن على أربعة أكراد بتهمة الانتماء إلى تنظيم سري ومحاولة اقتطاع جزء من أراضي البلاد وضمه إلى دولة أجنبية وذلك من خلال حزب الاتحاد الديمقراطي وهو حزب كردي محظور في سوريا. وأكثر الدول تعرضاً للعمليات التخريبية الكردية هي تركيا التي تضم ما يقارب خمسة عشر مليون كردي، ومازالت المؤسسة العسكرية التركية تؤمن النظام التركي العلماني وبذلك فإن التغيرات تحدث على مستوى المواجهات العسكرية والإرهابية كما أن محاولة دمج الأكراد في البرلمان التركي كانت فاشلة والمثال الساطع الحكم على سيدة كردية نائبة برلمانية بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً بتهمة إلقاء خطابات انفصالية. وهذا السيناريو من وجود فوضى وفراغ أمني ربما يحدث في إيران مستقبلاً. حقيقة تنبع هذه التصورات (الحالة الخبيثة) من خلفية السيطرة الكردية في شمال العراق أثناء وبعد الغزو العراقي للكويت في غياب السيطرة الأمنية لنظام البعث العراقي واقتناص الأكراد لهذا الوضع المتأزم وتحقيق أحد أهدافهم القومية. * باحث إماراتي في العلوم السياسية he_almansory@yahoo.com