قرأت المقال المعنون: "ابن خلدون ما بعد القراءة الاستشراقية"، لكاتبه الدكتور حسن حنفي، وقد لفت انتباهي التمييز الذي أقامه الكاتب بين ما يمكن إحياؤه وما يجب نسيانه من فكر صاحب "المقدمة". والحقيقة أن نظرية ابن خلدون التاريخية والاجتماعية والسياسية ثرية ثراء يجعلها لا ترد يد لامس كما يقال، فكل من بحث عن شيء وجده فيها. فقد رأينا قراءات ماركسية ثورية لها، وقراءات قومية، وقراءات ليبرالية ديمقراطية، وقراءات أيضاً إسلامية. كما أن القراءات العربية لكتاب المقدمة تختلف غالباً عن القراءات الاستشراقية، وإن كانت أحياناً أيضاً عيالاً عليها تأخذ منها وتحذو حذوها خطوة بخطوة. والعجيب أن نظرية ابن خلدون أهملت طيلة أربعة قرون في الثقافة العربية حتى جاء الغربيون في القرن التاسع عشر، ولفتوا انتباهنا إلى أهميتها، وخاصة منهم المستشرقين الفرنسيين "كاترمير" و"سيلفستر دي ساسي". وبعدما اكتشفنا نحن أهمية هذه العبقرية العربية رحنا نعيد اكتشافها. ومن الطرائف أن منا من عاد خلال السنوات الماضية يتهم ابن خلدون بالسرقة من إخوان الصفا. لنعيد غربة ابن خلدون عنا من جديد ولنسيء إليه مجدداً وكأنه محكوم على عباقرتنا ألا ينالوا منا إلا الازدراء والتشويه، ويا لها من مفارقة. منصور زيدان – دبي