يأمل "عمران جول" بأن يتمكن شبان منطقة القبائل في باكستان من التمتع بمستقبل أفضل، لكن ما يراه يومياً من تحليق الطائرات المروحية وهي راجعة من وزيرستان تنقل القتلى والجرحى الذين سقطوا في القتال الدائر بين المتمردين والقوات الحكومية يبعد الأمل ويحوله إلى سراب. ويُذكر هذا الصراع الدامي المراقبين للأوضاع في باكستان بأن العصر الذهبي للنظام القبلي على تخوم باكستان في تراجع مستمر بعد فقدانه لعناصر القوة والمنعة التي كان يتمتع بها في السابق. وقد تضافرت عوامل تاريخية وأخرى مرتبطة بالحرب لتسهم في تداعي صرح القبيلة بما كانت توفره من خدمات ومكانة اجتماعية ممهدة الطريق أمام انتعاش حركة "طالبان" واستقطابها للمزيد من الشباب، لاسيما وأنها ظهرت في الآونة الأخيرة كقوة في المنطقة قادرة على توفير دخل للشباب، فضلاً عن إحاطتهم بشبكة قوية من العلاقات الاجتماعية. وفي هذا الصدد يقول "جول" الذي يدير برنامجاً للتنمية المستدامة والمشاركة السياسية تابع لمنظمة غير حكومية تنشط في "بانو" القريبة من إقليم وزيرستان: "لا يعرف الشباب ماذا يفعلون بوقتهم بسبب الفقر وانسداد الأفق أمامهم"، مضيفاً: "إنهم لا يريدون الانضمام إلى طالبان، لكنهم يتعاطفون مع مسعاها لجلب الأمن والسلام إلى المنطقة". ويعتقد الكثير من المراقبين أن دائرة التعاطف مع "طالبان" ما فتئت تتسع يوماً بعد يوم بسبب المشاكل المتعددة التي ترزح تحتها منطقة "القبائل"، وخاصة أنها أحد الأقاليم الأقل تطوراً في باكستان. فالأمية والبطالة ضاربة أطنابها في عموم المنطقة، فضلاً عن انعدام الجامعات، والأحزاب السياسية ما يحرم الشباب من آفاق رحبة للتعبير عن موهبتهم وتحقيق ذواتهم. ويعزى هذا الوضع الكئيب الذي يسود إقليم وزيرستان إلى النظام القبلي ذاته. فقد ظل زعماء القبائل طيلة السنوات السابقة منغلقين على أنفسهم رافضين الانفتاح على العالم والتفاعل الإيجابي مع رياح الحداثة، حيث قاوموا بشدة شق الطرق وإقامة الجامعات، وإدخال الكهرباء إلى مناطقهم بسبب الخوف من فقدان سلطتهم. بيد أن عزوف الزعماء التقليديين عن اعتناق روح العصر والاندماج في آلياته لا يعفي الحكومة الباكستانية من تحمل قسط كبير من المسؤولية لما آلت إليه الأوضاع من تردٍّ في منطقة القبائل. فقد همشت تلك المناطق طويلاً من قبل الحكومة الباكستانية ولم تسعَ إلى إدماجها في النسيج السياسي للدولة إلا سنة 2000 إثر منح سكان القبائل حق الانتخاب والمشاركة السياسية. "أحمد شينواري"، وهو المدير التنفيذي لأحد البرامج التنموية في المنطقة يقول: "إن الشباب يعارضون النظام القبلي الحالي لأنهم يدركون جيداً عجزه عن تلبية حاجياتهم المتعددة ومنحهم فرصة التعبير عن مكنوناتهم"، مستطرداً: "إذا تحدثت مع أي منهم ستنكشف أمامك مشاعر الاستياء إزاء الحكومة الباكستانية التي عجزت عن توفير الوظائف للشباب". ويُضاف إلى المشاكل التنموية المرتبطة بالفقر ونقص الخدمات التدخل العسكري الحكومي في المناطق القبلية في أعقاب اجتياح قوات الجيش لمنطقة "وزيرستان" سنة 2003 لأول مرة في تاريخها. وقد ساهمت العمليات العسكرية التي يعتقد الكثيرون أنها جاءت بطلب من واشنطن في إضعاف سلطة النظام القبلي، مفرخة المزيد من المتعاطفين مع "طالبان" ومؤججة ميل الشباب نحو التطرف. وفي هذا الصدد ينظر طارق عزيز -البالغ من العمر سبع عشرة سنة ويعيش في منطقة وزيرستان- إلى "طالبان" على أنها مفتاح الحل للأجيال القادمة موضحاً أنه "لا توجد فرص أمام الشباب لذا يتجه العديد منا إلى طالبان". وعزيز الذي تتطابق حياته مع العديدين من أبناء المنطقة يجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما إما الانضمام إلى "طالبان"، أو الاستمرار في الحلم بمستقبل أفضل. ويعتقد شباب المنطقة أن التحاقهم بصفوف "طالبان" سيعيد السلام المفقود إلى وزيرستان مثلما كان عليه الحال في أفغانستان أثناء حكم "طالبان". ويبدو أن ما يجذب الشباب إلى الحركة ليس الاعتبارات الأيديولوجية بقدر ما هي الدوافع البرجماتية، لاسيما وأن "طالبان" تحدث شكلاً جديداً من الرأسمال الاجتماعي من خلال العلاقات المتشابكة التي تمنح المكانة المميزة والوجاهة الاجتماعية. ويتساءل خالد عزيز، "مدير المعهد الإقليمي للأبحاث والتدريب" في بيشاور عن الجهة التي يمكن أن يلجأ إليها شباب منطقة القبائل "في ظل التهميش السياسي لنوابهم في الجمعية الوطنية الباكستانية، وفي ظل تآكل قوة النظام القبلي، عدا طالبان التي تمنح البديل". وبالاحتكام إلى الأرقام والإحصاءات تتضح الصورة القاتمة التي ترتسم في منطقة القبائل. فحسب السيد عزيز "ينفق السكان 25% من مداخيلهم على الخدمات الصحية التي تدهورت بسبب الصراع المسلح، حيث تأتي 60% من تلك المداخيل من تحويلات العمال في الخارج؛ ويعمل 85% من السكان في الزراعة، 70% منهم أجراء. وشخصياً لو كنت أقطن تلك المنطقة لانضممت فوراً إلى طالبان". ورغم ندرة الفرص والبدائل يظل التعليم أحد المنافذ الأساسية للشباب لمقاومة وضعهم المتردي والخروج من الأزمة. أحد الطلبة بجامعة بيشاور الذي رفض ذكر اسمه بسبب العنف الذي تعرضت له أسرته في وزيرستان أكد أن التعليم أصبح المخرج الوحيد في ظل فشل البنيات الاقتصادية والاجتماعية التقليدية في الاضطلاع بدورها وتأمين حياة أفضل له ولباقي الشباب، متمنياً أن ينجح التعليم في معالجة الخلل الناتج عن تلاشي الأنساق القديمة. ويبقى الأمل الوحيد أمام أبناء المنطقة في بذل المزيد من الجهد لإدماج إقليمهم في الحياة المعاصرة وانفتاحه على مكتسبات العصر من خلال التركيز على التعليم والبرامج الإنمائية التي توفرها المنظمات غير الحكومية، فضلاً عن تكريس المشاركة السياسية لمنطقة وزيرستان في الحياة السياسية الباكستانية. ديفيد مونتيرو ــــــــــــــ مراسل "كريستيان ساينس مونيتور" في باكستان ــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"