لم يمض أداء روسيا في رئاسة مجموعة الدول الثماني العظمى، على نحو جيد. ففي نفس اليوم الذي تولت فيه رئاسة المجموعة في شهر يناير الماضي، قامت موسكو بقطع إمدادات الغاز عن أوكرانيا المجاورة لها، مما عزز الاتهامات الموجهة لها باستخدام الطاقة كسلاح سياسي. وحتى "الكرملين" نفسه يعترف بأنه كان بإمكان روسيا إخراج تلك المسألة بشكل أفضل (وإن كان هذا الشكل الأفضل ليس هو ما قد يعتقده البعض منا بالطبع). هذا النمط الجديد من التفكير، هو الذي جعل الكرملين يقدم في معرض استعداده لاستقبال الرئيس الأميركي جورج بوش وغيره من زعماء الدول الثماني الصناعية الكبرى في العالم، على الاستعانة بشركة أميركية للعلاقات العامة، (هذه الشركة هي شركة "كتشم" Ketchum، وهي وحدة من مجموعة Omnicom group) بهدف تقديم النصح إلى روسيا بشأن كيفية صقل وتقديم صورتها للعالم. وتسعى روسيا للتواصل مع العالم الخارجي بشكل أكثر انفتاحاً وأقل حرصاً مما كانت تفعل به ذلك في السابق. فهي أصبحت تدرك الآن أن هناك مشكلة فيما يتعلق بصورتها العالمية، وتحاول تغيير ذلك. وقال "ناعوم جيلفوند" نائب رئيس مجلس إدارة شركة "كتشم" إن شركته ستساعد على "التأكد من أن التجربة التي سيمر بها الحاضرون في القمة ستكون تجربة تساعد على تحسين الصورة العامة لروسيا بحيث يتم النظر إليها على أنها تمثل شريكاً مسؤولاً وقابلاً للاعتماد عليه في مجموعة الدول الصناعية الثمانية الكبرى". وهو يؤكد أن هذه مهمة شاقة... لماذا؟ لأنه في حين أن عقد القمة في روسيا يجلب لها نوعاً من المكانة والاحترام، إلا أنه يضعها في نفس الوقت تحت أضواء إعلامية ساطعة بسبب توافد آلاف الصحفيين عليها لتغطية فعاليات القمة. ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن روسيا قد شهدت خلال العام الحالي سلسلة من المشكلات المتعلقة بالعلاقات العامة وفي كل مشكلة منها كان الكرملين بتبني موقفاً دفاعياً. فعقب الإيقاف المؤقت لإمدادات الغاز، واجهت روسيا نقداً من الصحافة العالمية لقيامها بتقييد أنشطة المجموعات غير الحكومية بها... وفي الشهر الماضي قام "ديك تشيني" نائب الرئيس الأميركي بتوجيه انتقادات حادة لروسيا اتهمها فيها باستخدام مواردها الطبيعية "كأداة للترويع والابتزاز"، وبعد ذلك التاريخ بأيام اشتكى صحافيون في مؤتمر لإحدى الصحف العالمية من محاولات الحكومة الروسية لخنق الصحافة. وفي هذا الأسبوع حثت مجموعة من الحزبين الرئيسيين في أميركا الرئيس بوش وغيره من قادة الدول الثماني العظمى على توبيخ روسيا لقيادتها للمجتمع "باتجاه السلطوية". ومن المعروف أن روسيا قد درجت تقليدياً على عدم تقبل النصيحة الخارجية أو النقد البناء ومقابلة ذلك بالاحتقار. وقيامها بالتعاون مع شركة "كتشم" استثناء من هذه القاعدة، فهذه هي المرة الأولى تقريبا التي تلجأ فيها روسيا إلى شركة متخصصة في مجال العلاقات العامة طلبا لمساعدتها. حول هذه النقطة قال"بيسكوف" السكرتير الصحفي للكرملين في مقابلة أجريت معه: "من المؤسف أن بعض الناس وبعض صناع الرأي وبعض الصحفيين في الغرب لا يزالون يفكرون بشأن روسيا اعتماداً على أكليشيهات ثابتة ويعتبرونها دولة تعتمد أسلوب المواجهات، وأن أي قرار يتخذه رئيسها يعرض الديمقراطية وحقوق الإنسان فيها للخطر". وأضاف بيسكوف: "لدينا الكثير والكثير من القصص التي يتم إساءة تأويلها في الغرب... ومن غير المنطقي النظر إلى ما يجري في بلد معين من خلال اللون الأسود فقط، فهذا شيء لا يوجد في الطبيعة وكل دولة من الدول فيها الأسود والأبيض والصالح والطالح". وعندما وجهنا إليه سؤالاً عن الصورة التي تأمل روسيا أن تقدمها الشهر القادم عندما تجتمع القمة، لم يقدم "بيسكوف" صورة واحدة ولكن صوراً عديدة؛ منها أن روسيا تعمل من أجل تحسين شروط المعيشة لشعبها، وأنها مستعدة للدخول في مشاريع مع شركاء أجانب لاستغلال مواردها الطبيعية، وأنها تريد أن تتعاون مع المجتمع الدولي كي تجعل العالم أكثر أمناً. ثم أضاف إلى ذلك قوله: "ولكن أهم ما نريده هو إظهار أن روسيا دولة كبيرة جدا.. وقوية جدا".