ما هي الأهداف الحقيقية للهجوم الإسرائيلي على غزة؟ تداعيات الهجمة الإسرائيلية الحالية في قطاع غزة، واستغلال اجتماعات قمة الثماني لفتح ملف حقوق الإنسان في روسيا، ورؤية المعارضة الإيرانية لحل أزمة الملف النووي، موضوعات ثلاثة نستعرضها في جولة سريعة في الصحافة الفرنسية. الهجمة الإسرائيلية: صحيفة لوموند خصصت افتتاحية بعنوان: "الفخ الخطير"، للهجمة الشرسة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة بزعم الضغط على الفصائل الفلسطينية لإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المأسور دون شروط مسبقة. وترى لوموند أن الهدف الحقيقي الذي يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ووزير دفاعه عامير بيريتس إنجازه هو على المستوى الداخلي الإسرائيلي بالدرجة الأولى من خلال إعطاء الانطباع بأنهما قادران على استخدام القوة في حدودها القصوى لفرض إرادتهما وإملاءاتهما. كما أنهما يريدان التأكيد على أن انسحاب سلفهما شارون من قطاع غزة لا يجعل القطاع بأي وجه في مأمن من آلة البطش الإسرائيلية. غير أن الصحيفة ترى أيضاً أن ذلك الانسحاب كان له دور في تردي الوضع الأمني حالياً حيث فهم من خلاله بعض قادة الحركات الإسلامية الفلسطينية أن العنف أكثر مردوداً بكثير من عملية المفاوضات غير المجدية. والمفارقة أن هجمة أولمرت الحالية تأتي في وقت كان يسمع فيه المجتمع الدولي منه كلاماً آخر عن قرب انسحابه من مزيد من أراضي الضفة الغربية، وكان فيه يمثل دوراً على الرأي العام بقرب انفتاحه على الرئيس محمود عباس باعتباره مفاوضاً يحظى بثقته، وإن لم يخف شكوكه في مقدرة الرئيس الفلسطيني على الأرض في مواجهة الحركات الراديكالية. أما الآن وقد عاد الإسرائيليون إلى أردأ ممارساتهم الاحتلالية من خلال هذا الهجوم الشرس فالأرجح أن كل نوافذ التفاؤل ستنسد مرة أخرى. ولعل آخر بصيص كان المراقبون يعلقون عليه أملاً هو "وثيقة الأسرى" التي يقف وراءها أساساً مروان البرغوثي، فهذه الوثيقة التي تستجيب لمطالب القوى الكبرى ولبعض مطالب الفلسطينيين وإسرائيل، نالت ما يشبه موافقة في حدود معينة لدى الفصائل الفلسطينية، ونالت أيضاً تأييداً واسعاً في الشارع الفلسطيني، وبناء عليها وقعت الحكومة والرئاسة والفصائل بالحروف الأولى على اتفاق تفاهم وطني، كما ينتظر أن يصوت عليها الناخبون بكثافة في نهاية الشهر الحالي، إلا أن الهجوم الإسرائيلي الحالي جاء ليقوض كل الفرص والآمال التي كان متصوراً أن تفضي إليها. أما في صحيفة لومانيتيه فقد كتب باتريك آبل- موللر افتتاحية في هذا الشأن اعتبر فيها أن الهجوم الإسرائيلي بهذا العنف يعطي الانطباع بأن أهدافه ليست مجرد الانتقام لمقتل جنديين، وتحرير ثالث، وإنما العودة بمنطقة الشرق الأوسط برمتها إلى أجواء الاحتقان والصراع من جديد، وفي نفس الوقت التشويش على المساعي السلمية، وإجهاض فرص التفاهم الوطني الداخلي الفلسطيني. كما اتهم بيير باربانسي في نفس الصحيفة أولمرت بالعمل مسبقاً على إفشال الاستفتاء الفلسطيني، لأنه ينزع عن إسرائيل في حال تمريره ذريعة رفض الفلسطينيين الاعتراف بحقها في الوجود. وفي صحيفة لوفيغارو جاءت افتتاحية بعنوان: "حساب أولمرت الخاطئ"، وفيها انتقاد شديد لعقم ولاعقلانية الهجوم الإسرائيلي الحالي. "روسيا المتغطرسة": مناسبة استضافة روسيا لقمة مجموعة الثماني لم تفوتها الصحف الفرنسية التي فتحت ملف حقوق الإنسان في روسيا بوتين. ففي صحيفة لوموند جاءت افتتاحية بالعنوان أعلاه، وفيها تحدثت عن حالة حقوق الإنسان خاصة في منطقة شمال القوقاز، معززة كلامها بأقوال جاكوب كيليمبرجر رئيس منظمة الصليب الأحمر الدولي. فهذا الأخير ينتقد حكومات الدول الديمقراطية الغربية على أنها لا تثير مع روسيا بوتين مسألة حقوق الإنسان بالقدر الكافي. أما عن روسيا ذاتها، فعلى رغم أن الرئيس بوتين كان قد وعده شخصياً بالسماح لمنظمته الإنسانية بالعمل بحرية في شمال القوقاز إلا أن العراقيل ظلت توضع أمامه، وتحول بين الصليب الأحمر وبين مقابلة المحتجزين خاصة من المتهمين بالإرهاب. وتقول لوموند إن شعار الدفاع عن حقوق الإنسان أو الديمقراطية ليس هو شعار قمة الدول الثماني التي ستجتمع عند بوتين في سان بطرسبورج، وإنما شعارها "أمن الطاقة"، وهنا تحديداً فإن كلمة بوتين هي العليا، خاصة على الجانب الأوروبي. فروسيا التي استفادت كل الاستفادة من استمرار أجواء عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، تمكنت من تحويل إمبراطوريتها النفطية "غازبروم" إلى وحش كاسر يجتاح أوروبا برمتها، ويسعى في الوقت نفسه إلى التحكم في كل إمداداتها من الطاقة من خلال العمل للتنسيق مع مزودين آخرين كالجزائر مثلاً. ومع أن الرئيس الروسي لم يفتأ ينفي رغبة بلاده في توظيف إمكاناتها في مجال "ابتزاز الطاقة" أو إحياء أحلامها الإمبراطورية الإمبريالية على حساب جيرانها إلا أن الخطوات التي تقدم عليها حكومته مع ذلك تجعل نفي هذه التهمة صعباً للغاية. اتجاه الشارع الإيراني: على عكس المقولة الرائجة بأن إيران تواصل مساعيها النووية لأسباب تتعلق بالرغبة في الاستجابة لتطلعات وطنية، يأتي مقال في صحيفة لوفيغارو لينفي هذا الرأي، حيث كتبت زعيمة المعارضة الإيرانية في المنفى مقالاً بعنوان: "لا ليس كل الإيرانيين يريدون القنبلة"، مؤكدة أن الاحتقان الذي تعرفه بعض المناطق في الجمهورية الإسلامية يعبر عن اختلافات حادة بين اتجاه المسار السياسي واتجاه التطلعات الشعبية والقومية المتعددة. وفي الوقت الذي تسعى فيه فصائل المعارضة للتغيير في إيران، فإن الدول الغربية تقدم كل يوم خدمات جديدة للنظام، وذلك من خلال تضييقها على ناشطي المعارضة الإيرانية الذين تلصق بهم صفة "الإرهاب" وتتعامل معهم على هذا الأساس. وتقول الكاتبة إن المعارضة نفسها لا تحبذ اللجوء إلى التدخل العسكري لحل الأزمة الإيرانية، لأنها لا تريد المجازفة بتعريض الشعب للمعاناة المترتبة على ذلك، إلا أنها مع هذا تخشى أن تقع الدول الغربية في فخ إعطاء النظام المزيد من الوقت لأن كل يوم يمر يقربه خطوة إلى امتلاك القنبلة. أما المحادثات المباشرة بين طهران وواشنطن فمصيرها معروف مسبقاً وهو كمصير محادثات الترويكا الأوروبية: فشل ذريع وبكل المقاييس. ويبقى أخطر الرهانات وهو استمرار العالم في تعامله بدون استراتيجية واضحة وصارمة مع هذه الأزمة. وعلى العالم، تقول الكاتبة، أن يختار بين الحل العسكري واندلاع حرب مدمرة أخرى، وبين تهيئة أجواء التغيير الديمقراطي السلمي في طهران بسلاسة. إعداد: حسن ولد المختار