تباين وصف وسائل الإعلام للستة الذين قتلوا مؤخراً على يد قوات الأمن السعودية، فبينما وصفتهم قناة "العربية" وبعض صحف الإمارات بالإرهابيين، نسبت قناة "الجزيرة" القول بإرهاب هؤلاء إلى السلطات السعودية، فهي التي تصفهم بالإرهابيين وليس "الجزيرة"! ولم تبتعد إحدى صحف الإمارات عن حياد "الجزيرة" حين وصفتهم بـ"المسلّحين". واقتربت كثيراً إذاعة إماراتية من "الجزيرة" فقالت إنهم إرهابيون حسبما وصفتهم الرياض. وصف "الجزيرة" وبناتها وصف "معلمين" بينما وصف الباقين "شغل تلاميذ"، فالإعلام الحقيقي هو الإعلام المحايد الذي لا يجود بالتسميات من جيبه. فلو كان القتلى الستة في نظر السلطات السعودية "إرهابيين" ففي نظر "القاعدة" هم "مجاهدون"، وربما يكونون في نظر آخرين "أبرياء وقعت الأسلحة في أيديهم بالخطأ واستخدموها دون قصد منهم"، وفي نظري أنهم معلّمو دروس خصوصية اعتقدوا أن وزارة التعليم تلاحقهم. لذلك على "الجزيرة" أن تورد جميع التسميات ثم تنسب إلى كل واحد منا تسميته التي ترضيه وتتوافق مع مفاهيمه. لكن حبل الحياد طويل، ومن يسعى إليه فعلاًً، عليه أن يلتزم به في جميع مسمياته، بقطع النظر عن المسلّمات والثوابت وما لا يختلف عليه اثنان عاقلان. فطالما تنأى "الجزيرة" نفسها عن وصف هؤلاء بالإرهابيين، رغم كونهم مسلّحين متحصّنين بفيلا في بلد آمن ليس فيه حرب ولا قتال وقد عاثوا فيه فساداً، فقتلوا نحو 90 مدنياً لم يكن لهم ناقة في الأمر ولا جمل ولا حتى بغل، ناهيكم عن قتل 40 رجل أمن كانوا يؤدون عملهم... فعليها أن تمضي في طريق الحياد إلى النهاية. فإذا أرادت أن تذكر اسم فلسطين، وليس هناك اتفاق على هذا الاسم، فعليها أن تقول الأرض التي يسميها الفلسطينيون "فلسطين"، والتي يسميها الإسرائيليون "إسرائيل"، والتي يسميها العرب "الأرض المحتلة"، أو تكتفي بتحديد مكان الأرض جغرافياً، فتكون الأرض التي تحاذي الأردن شرقاً، والبحر المتوسط غرباً، ولبنان شمالاً، ومصر جنوباً، وكفى الله المؤمنين القتال. أما أن تطلق "الجزيرة" اسم "إسرائيل" على "فلسطين"، كما تفعل الآن، فهذا كيل بمكيالين وتحطيم للحيادية. ثم تصف القتلى المدنيين في غزة بالشهداء وفي الرياض وبغداد بالقتلى، فهذا يعني أن حياد "الجزيرة" يتظاهر بالنوم أمام بعض المسميات بهدف تصفية الحسابات واستخدام الإعلام كورقة ضغط سياسية. أما حياديو الإمارات المساكين، فلو دخلت "الجزيرة" جحر ضبّ لدخلوا وراءها، دون أن يعوا لماذا دخلت "الجزيرة". والأمر نفسه بشأن الأشخاص، فطالما هناك من يعتبر المقاتل الفلسطيني إرهابياً، أعني إسرائيل والغرب، فلا يجوز لـ"الجزيرة" أن تسميهم "مقاومين"، وإن اضطرت إلى ذلك لكسب رضا الشارع، فعليها أن تقول "مقاومين" حسبما يصفهم العرب. وإذا قتلوا أثناء المقاومة، فالحياد يفرض عليها أن تقول باستشهادهم كما يقول العرب، ومصرعهم كما يقول الإسرائيليون، ومقتلهم كما يقول الغربيون، وتوقّف قلوبهم نتيجة هبوط حاد في دوراتهم الدموية كما يقول الأطباء الشرعيون. مقطع القول إن "الجزيرة" لو لم تكن لها طاقة على وصف "الإرهابي" لأنه قد يهدم الكثير مما بنته من خلال أشرطة وخطب الإرهابيين الكبار، فهناك مرادفات أخرى تؤدي المعنى ذاته تقريباً، هناك مجرمون، فمن يحمل سلاحاً بدون ترخيص يعتبر مجرماً، ومتشددون، ومتطرفون، وغيرها. لكن رحم الله الأخ "حياد" وأسكنه بعيداً عن الإعلام العربي.