يقول "ميلتون فيورست" مؤلف كتاب: "عاصفة من الشرق: الصراع بين العالم العربي والغرب المسيحي"، الذي نقوم بعرضه في هذه المساحة، إنه لو كان كتابه قد نشر قبل سنوات قليلة، فلربما لم تكن الولايات المتحدة قد قامت بغزو العراق. بيد أن هذا يفترض في المقام الأول -كما يؤكد هو على ذلك- أن يكون مسؤولو الإدارة الأميركية والإيديولوجيون من المحافظين الجدد فيها، قد قرؤوا هذا الكتاب القيم في الأصل، وهو احتمال ضئيل كما يصفه المؤلف. يرى الكاتب أن الإسلام والمسيحية خاضا منذ القرن الثامن الميلادي صراعاً شرساً ضد بعضهما بعضاً من أجل السيطرة على بعض أجزاء الكرة الأرضية، وأن ذلك الصراع كان سجالاً بمعنى أنه كان يشهد انتصاراً لطرف من الطرفين في مرحلة معينة، ونتيجة لعوامل معينة، ثم انتصاراً للطرف الآخر أيضاً نتيجة لتغير هذه الظروف وظهور ظروف أخرى ملائمة. واستمر هذا الوضع حتى دانت السيطرة في النهاية للغرب خلال القرون القليلة الأخيرة. ويرى "فيورست" أن تفوق الإمبراطوريات والدول المسيحية على نظيرتها الإسلامية في القوة خلال تلك القرون، لم يجعل تلك الدول والإمبراطوريات أكثر حكمة وتعقلاً كما كان يتوقع، وإنما جعلها أكثر غروراً وغطرسة. وفي هذا الكتاب يتفحص "ميلتون فيورست" الذي عمل لفترة طويلة مراسلاً لمطبوعة "النيويوركر" في الشرق الأوسط، ومؤلف العديد من الكتب عن مشكلات المنطقة، خط الانكسار بين الشرق والغرب، ويحذر أولئك الذين يتوقعون نهاية مبكرة أو سهله للصراع من خطأ ذلك، خصوصاً وأن كافة الظواهر والتوقعات تشير إلى أن هذا الصراع سيتواصل. يقول المؤلف عن هذه النقطة: من الدروس الواضحة التي يمكننا أن نخرج بها بعد قرون من الصراع بين الشرق والغرب، أن كل حضارة من الحضارتين، تمتلك العديد من عناصر القوة الداخلية، وبالتالي فإن اعتقاد الغرب أنه يستطيع فرض مبادئه وتقاليده، لأنه الطرف المتفوق في اللحظة التاريخية الحالية، يمثل خطأ هائلاً في الحساب من جانبه.. هذا من جهة. ومن الجهة المقابلة، فإن اعتقاد الشرق أن تعصب مقاتليه وتطرفهم وعنفهم يمكن أن يبث الرعب في قلوب الغرب، هو اعتقاد ساذج للغاية. ومن الدروس الأخرى التي يذكرها المؤلف أن أياً من الطرفين لا يمتلك ذلك المقدار من القوة الذي يمكنه من أن يختار للطرف الآخر الطريق الذي يجب أن يسير فيه. كما يرى المؤلف كذلك أنه ما لم يقبل الغرب –على الرغم من تفوقه العسكري- حق الشرق في تحديد مستقبله بنفسه ودون تدخل، فإن الصراع سيتواصل. ويلفت المؤلف النظر كذلك إلى تلك الانقسامات الفكرية والأخلاقية الكامنة في النظرة الغربية تجاه الشرق الإسلامي، والتي تجعل البعض في الغرب -وليس الكل- يتساءلون: هل لشعوب الشرق الأوسط الحق أساساً في تحديد مستقبلها؟ فالولايات المتحدة وبريطانيا مثلا أعلنتا على رؤوس الأشهاد أن تنصيب نظام ديمقراطي على الطراز الغربي في العراق، يعبر عن رغبه العالم كله، وأن ذلك كان هو غرضهما الأساسي من غزو العراق. ويشير المؤلف كذلك إلى أن أهداف الإمبريالية الغربية في السنوات الماضية كانت أكثر واقعية وأقل عنجهية مما هي عليه الآن. فالهم الأساسي للغرب في تلك السنوات كان يركز على السيطرة على ما يعتقد أنه أكبر بحيرة للنفط في العالم، وعلى الطرق المؤدية إليها، مع إزالة جميع العقبات التي تعترض ذلك، وهو ما جعل الكثيرين من المحللين يعتقدون حالياً أن الاندفاع الأميركي الحالي في قلب العالم العربي يهدف إلى تحقيق هذا الهدف تحديداً، وليس نشر الديمقراطية كما تتشدق بذلك أوساط كثيرة في الغرب. ويقول المؤلف أيضاً إن العديد من العرب لا يحبون أن يقوم أحد من الغرب بإخبارهم عن نواحي الضعف التي تعاني منها مجتمعاتهم، مثل الفقر، والأمية، وتسييس الدين، والفساد المزمن، وسوء الإدارة. ولكنه يرى أيضاً أن أي مراقب منصف للأوضاع في تلك المنطقة سيتوصل إلى أن نواحي الضعف هذه هي السبب فيما يعانيه العالم العربي الآن من مشاكل يتعين على سكانه علاجها بدلاً من الادعاء بأن كل شيء في بلادهم على ما يرام، وأن الغرب هو المسؤول عن كل ما يعانونه من مصائب. ويلقي المؤلف بظلال كثيفة من الشك حول إمكانية قيام العرب أنفسهم بإيجاد حل للوضع المأساوي في العراق اليوم، كما يشك أيضاً في قدرة إدارة بوش على ذلك، خصوصاً وأنها –كما يرى- هي أكثر الإدارات الأميركية التي صبت زيتاً على نار الصراع المحتدم في المنطقة وأنه من المشكوك فيه أن تتمكن من حل المشكلة العراقية التي ساهمت هي في خلقها ومفاقمتها. ويمكن في نهاية هذا العرض القول إن كتاب "عاصفة من الشرق" هو واحد من تلك الكتب العديدة التي تناولت موضوع العلاقة المضطربة بين الغرب والشرق، ولكنه يتميز عنها بأنه يهتم بذكر العديد من المشكلات والأسئلة والقضايا المعاصرة التي تجذب اهتمام القارئ الغربي لهذا الموضوع. كما يحسب للمؤلف أيضاً ما قدمه من تأريخ دقيق للعلاقة بين الشرق والغرب منذ بداية ظهور الإسلام وحتى الآن، وهو ما يضفي على الكتاب بعداً تاريخياً لا تعطيه بعض الكتب التي تتناول هذا الموضوع ما يستحقه من اهتمام. سعيد كامل الكتاب: "عاصفة من الشرق: الصراع بين العالم العربي والغرب المسيحي" المؤلف: ميلتون فيورست الناشر: راندام هاوس تاريخ النشر: إبريل 2006