ما يحدث في سوق الأسهم هذه الأيام، يطرح الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام، خاصة بعد أن أصبح الهبوط وموجات التراجع والتذبذب في سعر السهم، حالة مستمرة منذ شهور طويلة، بالرغم من القرارات والأصوات التي كانت تأمل كلها في أن يحدث تحسن في حالة السوق وسعر السهم. حالة السوق هذه الأيام تحتاج إلى وقفة جادة وتشخيص دقيق ورؤية استراتيجية واضحة وعميقة، تستند في تشخيصها إلى أسس علمية عالية التقنية وجرّاح على مستوى عالٍ من المهارة وأشخاص لديهم القدرة على فهم ما يجري في السوق وتشخيص الحالة بدقة متناهية، وأهمها الصدق في تفسير الحالة، أشخاص يدركون حجم المشكلة وخطورتها، ليس لديهم مصلحة خاصة في السوق. القضية بصراحة، ليست بهذه البساطة التي يتحدث بها البعض ويصورها البعض في صورة افتراضات شكلية وطروحات نظرية وتصريحات عابرة يجمعها صوت واحد، إن السوق يمر بمرحلة تصحيح للأسعار يقولها هذا المحلل وهذا الخبير وهذا المسؤول! القضية أكبر من موضوع تصحيح الأسعار التي تتكرر علينا في كل حالة تراجع يمر بها السوق. هناك عشرات المليارات تبخرت من السوق والاقتصاد الوطني، هناك من باع بيته وسيارته وعقاره ومزرعته ومحله التجاري أو عيادته، وكل ما يملك من مال أو ثروة ووضع كل ذلك في السوق، لكن هذه تبخرت فجأة. هناك خسائر موجعة تحمّلها في الغالب صغار المستثمرين، وتركت بصماتها المؤلمة في صورة اكتئاب عام وأمراض نفسية ووفيات وزيادة في أعداد المدينين المطاردين من البنوك والمعدمين، الذين أصبحوا لا يملكون قوت يومهم، وزيادة في أعداد المراجعين للمستشفيات الذين يشكون أزمات قلب مفاجئة وجلطات دماغية وارتفاعاً مفاجئاً في ضغط الدم... بسبب الخسائر الكبيرة في سوق الأسهم، هناك آثار اجتماعية واقتصادية حادة. المسألة في تصوري مسألة أمن قومي، مسألة اقتصاد وطني ووطن، ومواطن يشعر بمرارة الخسارة... إنها قضية كل مواطن يشعر أن ثروته قد تبخرت بفعل ما يحدث من تلاعب في السوق، الأمر الذي كشفته تقارير كثيرة. تصوروا معي شخصاً ظل يعمل سنوات طويلة وأخذ كل ما جمعه من مال طوال هذه السنين إلى سوق الأسهم، مستجيباً لحالة الإغراء التي تطارده من كل جانب، ثم يفاجأ أنه لم يحقق أحلامه وأنه خسر كل ما جمعه، ما هو شعوره؟ كيف سيعيش؟ وإذا أصيب بأزمة صحية -لا قدر الله- ومات، ما هو مصير أسرته؟ والديون التي عليه؟ هناك العديد من الأسباب التي ساعدت على أن يصل السوق إلى ما هو عليه، وأن يدفع صغار المستثمرين ثمن ذلك. لكن المسؤولية الأكبر تقع على بعض المؤسسات المالية، لأنها كانت تعلم أن الارتفاع الذي مر به السوق في الفترة السابقة هو ارتفاع غير طبيعي ولا يمثل القيمة الحقيقية لسعر السهم في السوق، تعلم ذلك بحكم المهنة والمسؤولية والموقع، وأنه من المفترض أن يدركوا حجم الآثار الخطيرة التي تترتب على هذا الارتفاع المبالغ فيه على السوق والاقتصاد الوطني والمجتمع، خاصة عندما وصلت بعض الأسهم القيادية إلى أرقام قياسية. كان من المفترض أن يرسلوا رسالة تحذير إلى كل الناس، وخاصة صغار المستثمرين من هذا الخطر، ألم يلفت نظرهم أن السوق به العديد من الثغرات؟ ألم يلفت نظرهم أن هذا الارتفاع لا يتفق مع التكلفة الفعلية للسهم؟ ألم تلفت نظرهم تصريحات بعض رؤساء مجالس إدارات الشركات التي كانت تبالغ في قيمة السهم والأرباح الوهمية لشركاتهم؟ تحليل تواريخ التصريحات يكشف مصداقية ذلك، ألم تلفت نظرهم الأرباح الكبيرة التي حققها كبار المستثمرين بواسطة المضاربات التي أضرت بالسوق؟ ألم تلفت نظرهم الدراسة التي أشارت إلى أن فئات عديدة من كبار المستثمرين كسبت من السوق 12 مليار درهم خلال سنة واحدة بسبب تسريب المعلومات؟ مهما يكن من أمر، فإن صغار المستثمرين كانوا هم الضحية، وقد أصبحوا يعانون بصورة مؤلمة من حالة الهبوط المزمنة في سوق الأسهم!