أعرب كثير من الأفغان والمؤيدين الأجانب عن تراجع ثقتهم في حكومة الرئيس حامد قرضاي, التي ضرب حولها التمرد طوقاً محكماً, إلى جانب استشراء الفساد المتوارث فيها, مما أضعف قدرتها على بسط نفوذها في أجزاء شاسعة من البلاد. ومع تنامي الشعور العام بانعدام الأمن بين المواطنين والمقيمين, تزداد الفجوة اتساعاً بين الرئيس وشعبه, وكذلك بينه والمؤسسات الأجنبية المدنية والعسكرية التي أسهمت بأموالها وأسلحتها وخدمتها العسكرية, إسهاماً مقدراً في إعادة بناء أفغانستان, والدفاع عنها خلال ما يقارب الخمس سنوات. وبينما لا تزال الولايات المتحدة الأميركية على سابق عهدها والتزامها إزاء حكومة قرضاي, يلاحظ أن عدداً من الحكومات الأوروبية تبدي تحفظات وقلقاً كبيرين إزاء قيادته. ضمن ذلك صرح مسؤول عسكري أجنبي رفيع المستوى في العاصمة كابول, قائلاً إن أمام قرضاي فرصة كان في وسعه استغلالها لإثبات قدرته على القيادة واتخاذ القرارات الصعبة, غير أنها سرعان ما أهدرت وضيق عليها الخناق يوماً إثر الآخر. واستطرد المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه, إلى القول إن هذه اللحظة التي تمر بها أفغانستان وحكومة قرضاي, تعد لحظة دقيقة وحاسمة, وإن أصابع كثيرة تشير بإلقاء اللوم هنا وهناك. وعلى الرغم من أن حامد قرضاي لا يزال يمثل البديل والأمل الوحيد المنظور الآن لأفغانستان, إلا أنه لن يكون في وسعنا الاستمرار في دعمه ومؤازرته, فيما لو واصل هجومه المتلاحق علينا. وأضاف المسؤول نفسه قائلاً إنه في حال غرق مركب حامد قرضاي, فسنغرق معه جميعاً. وأينما ذهبت في أفغانستان, سواء في الأسواق أم المساجد, فلا شيء يطغى على حديث الأفغان هذين اليومين, أكثر من تعبيرهم عن السخط والاستياء من حكومة قرضاي. يذكر أن الفوز الساحق الذي كان قد حققه قرضاي في أول انتخابات تجرى في أفغانستان على امتداد ما يزيد على الثلاثة عقود في أكتوبر من عام 2004, قد بشر بإحداث تحول جذري هناك, ووضع البلاد على طريق الاستقرار وإعادة البناء, على إثر الإطاحة بنظام "طالبان", بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في أواخر عام 2001. لكن وبعد الانتخابات بوقت قصير, بدأت تتراجع الثقة في حكومة قرضاي وقيادته, على إثر تواتر الأنباء والتقارير عن استشراء ممارسات الفساد والمحسوبية في أروقة حكومته, وكذلك كثرة الحديث عن تحول الشرطة إلى قطاع طرق ينهبون المسافرين والمستخدمين لطرق المرور السريع, إلى جانب تفشي الأخبار عن بيع الوظائف الحكومية المتاحة لمن يدفع أكثر مقابلها, مضافاً إليها تبخر أموال العون والمساعدات الأجنبية. ومما زاد الطين بلة, عودة وازدهار تجارة المخدرات, مصحوبة بعودة نفوذ وسلطة لوردات الحرب. وقد أسهمت كل هذه العوامل مجتمعة, في زعزعة الوضع الأمني وعودة واستقواء شوكة مقاتلي "طالبان" مجدداً. ومنذ أبريل الماضي, بدأت هذه القوات بشن هجوم واسع النطاق في الأنحاء الجنوبية من البلاد, أسفر حتى الآن عن مصرع ما لا يقل عن 600 قتيل. ومن أقوى المؤشرات على تصاعد المواجهات والقتال مع هذه القوات خلال الأربعة أيام الماضية, مقتل نحو 150 مقاتلاً منها على يد الجنود الأفغان والأجانب في المحافظات الجنوبية, خاصة في أروزجان وقندهار. وفي وقت متأخر من شهر مايو المنصرم, أثارت أحداث الشغب العارم التي تواصل فيها هجوم المتظاهرين على المرافق والمنشآت الأجنبية لعدة ساعات –مع فرار قوات الشرطة وتبخرها أمامهم- قلق الكثيرين من المواطنين والأجانب على حد سواء, على مظاهر ضعف وهزال هذه الحكومة, التي تبدو عاجزة عن بسط نفوذها حتى على العاصمة كابول! وعلى حد تعليق سيد تامين –وهو خياط أفغاني يبلغ من العمر 42 عاماً ويعمل بدكان صغير للخياطة في حي عمالي شعبي فقير يقيم فيه- فقد تردى الوضع الأمني كثيراً, اعتباراً من العام الماضي. ومن رأيه أن قوات "طالبان" لم تعد لتشن هجماتها وتسعى لاسترداد سلطتها ونفوذها, إلا نتيجة لضعف حكومة كابول. وشمل تعليق الخياط "سيد تامين", إشارة إلى الفساد في "الجهات العليا" كما أسماها, مقابل حصول الشعب الأفغاني على لا شيء. وقال إنه من الطبيعي أن تسود مشاعر الاستياء والإحباط في أوساط المواطنين العاديين. إلى ذلك قالت المواطنة حميدة, البالغة من العمر 32 عاماً, إنها جاءت في زيارة قصيرة من محافظتها "زابول" في جنوبي البلاد إلى العاصمة. وقالت إن زوجها كان يعمل مديراً لمدرسة محلية هناك, غير أن قوات "طالبان" هددته بالقتل إن استمر في مزاولة عمله وإبقاء المدرسة مفتوحة, ما أرغمه على ترك عمله والجلوس معها في البيت. واستطردت حميدة إلى القول إنه ليس في مقدور النساء الخروج إلى الشوارع في محافظتها, وإنه لا وجود البتة للشرطة الأفغانية هناك. ومع قلة دوريات القوات الأجنبية, فإن الحقيقة التي يعرفها جميع أهل المحافظة هي أنه لا أحد هناك يحميهم من خطر وهجمات "طالبان". ورداً على هذه الانتقادات الحادة المتصاعدة لحكومة قرضاي, يبدي مسؤولو الحكومة استياءً كبيراً, ويقولون إنهم بذلوا كل ما بوسعهم في سبيل بسط هيبة الحكومة والأمن في ربوع البلاد, في ظل ظروف عصية يتعذر فيها بسط نفوذ الدولة. أما المخرج الأقرب لهؤلاء, فهو اتهام الحلفاء الأجانب بلومهم للرئيس على ظروف لم يخلقها هو, ولم يكن سبباً فيها. باميلا كونستابل ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسلة صحيفة "واشنطن بوست" في كابول ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"