مع اقتراب موعد تقاعد "جونيشيرو كويزومي" عن منصبه، والذي سيحل في شهر سبتمبر المقبل, شرع الحزب "الليبرالي الديمقراطي" الحاكم على الفور, في إيجاد خلف له في قيادة الحزب ورئاسة الوزراء على حد سواء. وحتى هذه اللحظة, فقد اتخذ هذا السباق المحموم مع الزمن, شكل إجراء استفتاء شعبي عام حول مصير علاقات اليابان المتوترة والمضطربة مع جاراتها الآسيويات, وخاصة الصين. وكانت علاقات اليابان مع كل من كوريا الجنوبية والصين قد اعتراها التوتر الحاد, جراء نزاعات نشبت بينها حول جملة من المسائل التاريخية, منها الخلافات الحدودية, وزيارات كويزومي السنوية إلى "ضريح ياسوكوني", مع العلم بأنه الضريح الذي دفن فيه عتاة مجرمي حروب اليابان على جاراتها الآسيويات. هذا وقد أظهر استطلاع أجري قريباً لرأي الساسة اليابانيين, تبايناً حاداً في وجهات نظرهم بشأن تلك العلاقات والزيارات المثيرة لغضب الجوار. فمن رأي "شينوز آبي", السكرتير الأول بمجلس الوزراء والبالغ من العمر 51 عاماً, أن من واجب رئيس الوزراء زيارة ضريح "ياسوكوني", وأنه لم يستمد شعبيته إلا بسبب سياساته الحازمة الصارمة إزاء كل من كوريا الجنوبية والصين. وفي المقابل أعرب "ياسو فوكودا" –وهو سكرتير أول سابق لمجلس الوزراء أيضاً- عن موقف شديد الانتقاد لتلك الزيارات, داعياً في الوقت ذاته إلى ضرورة بناء اليابان لعلاقات حسن الجوار مع كل من كوريا الجنوبية والصين وغيرهما من البلدان المجاورة. بل ذهب إلى الدعوة لوضع المسألة في مقدمة أولويات رئيس الوزراء القادم. وعلى الرغم من عدم ترشح أي من هذين الزعيمين السياسيين لمنصب رئاسة الوزراء بعد, إلا أن "آبي" يتقدم على نظيره "فوكودا" في نتائج استطلاع الرأي العام السياسي المشار إليه آنفاً. وكان الهامش الذي يتحرك فيه "فوكودا" قد ضاق كثيراً خلال الأسابيع القريبة الماضية بصفة خاصة, بسبب نقمة وردود فعل الرأي العام الشعبي على ما قاله عن تحسين العلاقات مع الصين, على حد تحليل الخبراء. إلى ذلك صرح "تيكونوري كانزاكي" –زعيم حزب "كوميتو الجديد", المتحالف مع الحزب "الليبرالي الديمقراطي" الحاكم- بأن على الأرجح أن يقتفي "آبي", أثر كويزومي في كافة سياساته, بما فيها بالطبع سياساته الخارجية. لكن وعلى نقيض ذلك تماماً, قال "فوكودا" إنه سيقوم بمراجعة تلك السياسات كلية, فيما لو تولى منصب رئاسة الوزراء. وبهذا المعنى فإن الساحة السياسية اليابانية منشغلة جداً هذين اليومين, بهذا التضاد والتناظر المحموم بين "آبي" و"فوكودا". ومن رأي السيد "كانزاكي" –الذي يتمتع حزبه بدعم بوذي, ويعارض زيارات ضريح "ياسوكوني"- "إن من يدعون إلى تحسين العلاقات مع الصين, إنما يتملقون ويكذبون بتجاهلهم جذور التوتر في العلاقات مع كل من الصين وكوريا الجنوبية". ومن جانبه قال كويزومي إن زيارته السنوية للضريح, إنما تجيء تخليداً لذكرى ضحايا الحرب وللصلاة من أجل السلام. غير أن ذلك الضريح, يبدو في نظر الدول المجاورة التي غزتها اليابان, تجسيداً وإبقاءً لرمز مهم من رموز العدوان العسكري الياباني, في حين تكرس المتاحف التابعة له, أفكار اليمين الياباني الذي أضرم نيران الحرب على الدول الآسيوية المجاورة, بذريعة تحريرها من قبضة النفوذ الأوروبي, ثم سرعان ما دفع بها إلى أتون الحرب العالمية الثانية. والشاهد أن تلك الزيارات أثارت خلافات تاريخية حادة بين طوكيو وجاراتها الآسيويات. وقد بلغت تلك الخلافات حداً, قطعت بموجبه كل من سيئول وبكين اللقاءات والاجتماعات المشتركة بين كبار ممثليهما وقادتهما, ونظرائهم في طوكيو. على أن الانتقادات الموجهة إلى هذه الزيارات, لا تقتصر على ردود الفعل الخارجية وحدها. فقد ازدادت المخاوف داخل اليابان نفسها, من أن تضر الزيارات إياها, وتوتر العلاقات مع دول الجوار بسببها, بالمصالح الاقتصادية الحيوية اليابانية, إلى جانب عزل اليابان إقليمياً, وإضعاف مستوى تحالفها مع الولايات المتحدة الأميركية. وضمن تداعيات حملة الانتقادات الداخلية هذه, أصدرت "جمعية مديري الشركات" –وهي منظمة استثمارية رفيعة المستوى- بياناً مؤلفاً من ثلاث عشرة صفحة, اعترضت فيه على تلك الزيارات والضريح, داعية إلى بناء صرح تاريخي آخر بديل له, شريطة أن يكون لا دينياً. ووصفت المنظمة الزيارات بأنها ألحقت ضرراً فادحاً بمصالح اليابان الحيوية, وكذلك بعلاقتها مع الصين. وفي مؤتمر صحفي عقد بهذا الخصوص, دعا رئيس المنظمة إلى ضرورة امتناع خلف كويزومي في رئاسة الوزراء عن زيارة الضريح المذكور. ومن بين الانتقادات شديدة اللهجة الموجهة إلى حكومة كويزومي, كونها واحدة من أقوى حلفاء إدارة بوش في الحرب على العراق. غير أن واشنطن نفسها تبدي قلقاً كبيراً إزاء تدهور العلاقات بين طوكيو وبكين. ومما يزيد دائرة هذا القلق, زحفه إلى أوساط واسعة من "الديمقراطيين" و"الجمهوريين" المعتدلين في أميركا. أما السؤال المطروح داخلياً الآن على مستوى الساحة السياسية اليابانية فهو: لأي الزعيمين المتنافسين سيكون الفوز برئاسة الوزارة المرتقبة.. "فوكودا" أم "آبي"؟ وفي حالة فوز الأخير, فإن على الأرجح أن تتواصل سياسات "كويزومي", ومن ثم يستمر التوتر بين طوكيو وجاراتها, لاسيما بكين. نورمتسو أونيشي مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" من طوكيو ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"