في غمرة تصاعد حدة المراشقات اللفظية والمواجهات بين كل من واشنطن وكاراكاس مؤخراً, بادر ويليام براونفيلد السفير الأميركي لدى فنزويلا, بتنظيم زيارة ودية إلى مدينة باريناس، مسقط رأس الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز, وقام هناك بتوزيع كرات البيسبول مجاناً على اللاعبين, مقابل هدايا أطباق السلطة من البعض, وبعض الشتائم التي أسمعها إياه بعض المؤيدين المتشددين لشافيز. ورغم التحذيرات التي وجهت له قبل سفره جواً من كاراكاس إلى باريناس, فإنه قرر الإقلاع معتمداً على حدسه, وعلى قدرة شعبية كرة البيسبول في تلك المدينة بالذات, على إطفاء النيران المشتعلة بين واشنطن وكاراكاس. وبالفعل لم يتعرض موكبه في تلك المدينة هذه المرة, للملاحقة العدائية بواسطة الدراجات النارية, كما لم يقذف سعادة السفير بالبيض والطماطم، على نحو ما حدث له مراراً في فنزويلا. وخلافاً للمرات السابقة, لم يضطر السفير هذه المرة لتحصين نفسه بالمتاريس ضد هجمات المتظاهرين والمحتجين الغاضبين على مجرد وجوده في بلادهم. لذلك كانت رحلته جيدة وموفقة بكل المقاييس, إذ لم يسبق له أن حظي بمثلها مطلقاً, طوال العشرة أشهر الأخيرة. وما المعاناة والإهانات التي يتعرض لها سفير الولايات المتحدة في فنزويلا, سوى انعكاس للتوتر المتصاعد في علاقات الدولتين, منذ أزيد من ست سنوات, مع العلم أن السنة الحالية هي الأسوأ بينهما على الإطلاق. فمن جانبها تصف إدارة جورج بوش الرئيس شافيز, بأنه يمثل خطراً على الديمقراطية في قارة أميركا اللاتينية بأسرها. في حين يعمد شافيز إلى اتهام الإدارة الأميركية الحالية, بالإعداد لشن هجوم عدواني على بلاده. وطوال مدة إقامته في فنزويلا, لم يلتق السفير بالرئيس شافيز إلا مرتين فقط, كانت أولاهما لحظة تقديم أوراق اعتماده الرسمية في ديسمبر 2004, أما الثانية فكانت خلال احتفال عام, تبادلا الكلمات خلاله لمدة 35 ثانية فحسب. وفي حديث له مع بعض لاعبي فريق البيسبول الذين التقاهم في باريناس, قال السفير إنه يأمل أن يرفع مدة حديثه مع الرئيس شافيز إلى 36 ثانية إذا ما التقاه لمرة ثالثة, ليحقق بذلك رقماً قياسياً غير مسبوق، كما قال مازحاً. ورغم حب براون فيلد الكبير للعبة البيسبول, فإنه كان قد فارقها عملياً منذ أن كان صبياً في سن الرابعة عشرة. ومهما يكن فمن أهم المعاني التي رسخها السفير خلال زيارته المذكورة أنه لا يقيم في فنزويلا كي يناصب رئيسها أو شعبها العداء. جاء ذلك صراحة أثناء توزيعه لكرات البيسبول والميداليات الرمزية على اللاعبين, واصفاً اللعبة بأنها شغف متبادل بين الشعبين الأميركي والفنزويلي. ومن وزارة الخارجية الأميركية, وصف إريك واتنك الناطق الرسمي باسمها, جهود براون فيلد في فنزويلا, بأنه من صميم الدبلوماسية الشعبية بين الأمم والدول، وأضاف بأن جهوداً دبلوماسية مماثلة, تستخدم فيها كرة البيسبول, تجري هذه الأيام في كوبا أيضاً. غير أن التوفيق لم يحالف معظم زيارات براون فيلد وجولاته في المدن الفنزويلية. ففي شهر أغسطس من العام الماضي, هدد المسؤولون بإغلاق استاد في إحدى الضواحي الشعبية الفقيرة المجاورة للعاصمة كاراكاس. والسبب أنه كان يفترض أن يظهر السفير أثناء المباراة ليعلن عن برنامج شبابي جديد لكرة البيسبول, تتولى رعايته وتمويله الولايات المتحدة. وفي وقت متأخر من الشهر نفسه, أغلق عمدة مدينة ياراكوي المدخل المؤدي إلى مركز الشباب, لمنع براون فيلد من الدخول والإعلان عن مشروع كروي جديد فيه. أما في شهر ديسمبر الماضي, فساء ذلك التعامل بكثير, أثناء زيارة السفير لمدينة نيوفا سبراتا, بهدف توزيع معدات رياضية للعبة البيسبول. وهناك التقاه ما يزيد على مئة من المتظاهرين المحتجين, ورشقوه بالحجارة. ثم تكرر موقف مشابه في مدينة جوراشيو التي زارها في شهر مارس الماضي, لتوزيع مضارب وقفازات كرة البيسبول. ورفضاً لتلك المبادرة الدبلوماسية, حاصرته جموع المتظاهرين وأغلقت عليه الطريق, مما أرغمه على ملازمة المكان لما يزيد على أربع ساعات. ولعل أسوأ المواقف التي تعرض لها براون فيلد على الإطلاق في فنزويلا, هو ما حدث في السابع من شهر أبريل الماضي في أحد ملاعب كاراكاس لكرة البيسبول. فهناك بلغت احتجاجات الحضور حداً دعاهم إلى مطاردة السفير وإرغامه على الخروج فاراً بسيارته إلى خارج الملعب. وحتى في الشارع العام, لم يتركوه بل طاردوه بالدراجات النارية ورشقوا سيارته بالبيض والخضروات والحجارة. ورداً على هذه الإهانات, وصف سين ماكوماك– وهو ناطق رسمي بوزارة الخارجية الأميركية- تلك الاعتداءات بأنها مثيرة للاستفزاز والغضب الأميركيين. وبينما حمل ماكوماك حكومة شافيز مسؤولية ما يحدث للسفير, ذهب إلى التهديد باتخاذ واشنطن إجراءات دبلوماسية حازمة, فيما لو تعرض سفيرها لاعتداءات مشابهة مستقبلاً. إلى ذلك جاء رد الرئيس الفنزويلي شافيز على هذه اللهجة الأميركية المهددة بقوله عبر تلفزيون بلاده, إن فيلد مدرك لمعنى ما يفعله, وهو ليس أكثر من توفير الذرائع التي تستطيع بموجبها واشنطن غزو فنزويلا. ولذلك اختتم شافيز حديثه بحث السفير على حزم أمتعته والاستعداد للطرد, فيما لو واصل استفزازاته للفنزويليين. وبعد, فهل تفلح دبلوماسية البيسبول؟ دانا هرمان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ رئيسة مكتب "كريستيان ساينس مونيتور" بقارة أميركا اللاتينيةا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"