إن الأرقام التي طرحتها دراسة حديثة لـ"غرفة تجارة وصناعة أبوظبي"، بشأن تحويلات الوافدين، مؤخراً، يمكن قراءتها من أكثر من زاوية. فالخطورة التي تشكّلها هذه التحويلات لا تكمن فقط في ضخامتها، إذ يتوقع لها أن تتجاوز 58 مليار درهم لهذا العام، بزيادة 13% عمّا كانت عليه العام الماضي، وإنما هناك بعد جديد لهذه التحويلات يتبدّى للوهلة الأولى عند النظر إلى تفاصيل هذه التحويلات، حيث مثّلت تحويلات الملكية وعوائد التنظيم، المتأتيّة من أرباح الشركات والمشاريع، المكوّن الأساسي لهذه التحويلات، متجاوزة 32 مليار درهم، مقابل 23 مليار درهم تقريباً هي تحويلات الوافدين من الأجور والتعويضات. لاشكّ في أن هذه الأرقام ستطرح قضايا جوهرية تتعلق بأولويات التوطين، باعتباره قضية اقتصادية شاملة لا تقتصر على الجانب البشري فقط، وإنما تمتد لتغطي جوانب الاقتصاد بأبعاده وعناصر إنتاجه كافة من رأس مال وعمل وتنظيم وإدارة وتكنولوجيا وغيرها. لقد ظلت أدبيات التوطين في دولة الإمارات، وربما الدول الخليجية جميعها، تنظر إلى عملية التوطين من وجه واحد فقط، بينما تثبت المعطيات الاقتصادية أن التوطين كل شمولي لا يتجزأ، بل إن هذا الوجه الذي يركز عليه المنظّرون ليس هو الأهم في عملية التوطين كقضية اقتصادية شاملة. فالحسابات الاقتصادية المجرّدة تضع توطين ملكية المنشآت الاقتصادية وإداراتها من بين أولويات التوطين بمفهومه الشامل. تنبع أهمية توطين ملكية المنشآت الاقتصادية باعتبارها الأساس لتوطين الجوانب الاقتصادية الأخرى كافة، كما تصعب مهمّة توطين الوظائف وربما تقلّ أهميتها الاقتصادية كذلك إذا كانت المنشآت الاقتصادية نفسها غير موطنة. وإذا كان الاهتمام بتوطين القوى العاملة يبرزه جزئياً الضغط على ميزان المدفوعات نتيجة للمبالغ المالية الضخمة التي تحوّلها العمالة الوافدة إلى بلادها سنوياً، فإن المنشآت الاقتصادية التي تؤول ملكيتها جزئياً أو كليّاً إلى جهات غير مواطنة تحقق أرباحاً طائلة، مستفيدة من السوق المحلية وتسهيلات القروض من البنوك المحلية، وتحوّل إلى خارج الدولة مبالغ طائلة تشكّل ما نسبته 55% من مجموع التحويلات السنوية من دولة الإمارات. وهذه النسبة لا تثير الدهشة في ظل وجود أكثر من 350 ألف منشأة في القطاع الخاص في الدولة تؤول ملكية 50% منها جزئياً أو كليّاً لغير المواطنين. إذا كان الاهتمام بعملية توطين القوى العاملة نابعاً جزئياً من الضغط على الخدمات والمرافق العامة والسلبيات الأخرى العديدة التي يفرزها الوجود الكبير للعمالة الوافدة، فإن للمنشآت الاقتصادية التي يمتلكها الأجانب جزئياً أو كلياً دوراً سالباً لا يقل تأثيراً عن ذلك الذي تفرزه العمالة الوافدة، خاصة أن هذه المنشآت نفسها هي التي أسهمت بشكل مباشر وفعّال في استقدام تلك العمالة. ويتبع ملكية المنشآت بالضرورة أهم عناصر العملية الإنتاجية، متمثلاً في الإدارة التنظيم، وهو يختلف عن القوى العاملة من حيث المعنى والمضمون، حيث إن لكل منهما دوراً يختلف عن الآخر في العملية الإنتاجية. فالحديث عن توطين إدارة المنشآت في القطاع الخاص يعني توطين متخذي القرارات في هذه المنشآت، بما فيها قرارات توطين وتشغيل القوى العاملة نفسها مواطنة كانت أم وافدة. وأن نداءات وخطط توطين القوى العاملة في منشآت القطاع الخاص جميعها لا تجد الاستجابة المطلوبة بسبب أن أغلبية الإدارات القائمة على أمرها هي نفسها غير مواطنة. والدعوة إلى توطين الإدارة هي دعوة إلى توطين الكيف بموازاة الكم، فهي توطين لمن يقوم باتخاذ قرار توطين الوظائف وينفّذه عملياً. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.