يجب على فلادمير بوتين أن ينتظر شهراً آخر، قبل أن يتمكن من القيام بالدور الذي يطمح إليه، وهو دور المضيف لأقوى زعماء ديمقراطيين في قمة مجموعة الدول الثماني الكبرى التي ستعقد في مدينة سانت بطرسبورج. ولكن الزعيم الروسي -مع ذلك- يبدو وكأنه قد اقترب من تحقيق هدفه الأساسي، وهو منع أية استجابة جدية من جانب مجموعة الدول الثماني العظمى لسياساته الأوتوقراطية الداخلية وتحرشاته الإمبريالية بجيرانه. قبل شهرين كان المسؤولون الغربيون يعدون، وكلهم ثقة، بأن بوتين لن يسمح له بالتبختر وسط الرؤساء المنتخبين ورؤساء الوزراء في سانت بطرسبورج دون أن يتم تذكيره من قبل هؤلاء الرؤساء بأنه ليس نداً سياسياً لهم. بناء على إيعاز من إدارة بوش، تم وضع مسألة التدخلات الروسية في شؤون أوكرانيا، وجورجيا، ومولدوفيا -الجمهوريات السوفيتية السابقة التي كانت تحاول أن تؤسس نفسها كديمقراطيات مستقلة- على أجندة الاجتماعات التمهيدية لقمة الدول الثماني العظمى، كما قام الدبلوماسيون الأميركيون بالضغط على "الناتو" للسماح لكل من جورجيا وأوكرانيا باتخاذ الخطوات الأولى للانضمام لعضويته. وفي شهر مايو الماضي ألقى ديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي، خطاباً قاسياً عدد فيه الأدلة المضادة لبوتين ومنها: احتضانه للطغاة في بيلاروسيا وأوزبكستان، واستخدامه لإمدادات الطاقة كأداة في الابتزاز السياسي، وإقصاؤه للأصوات المستقلة في روسيا. بالإضافة لذلك وافق الرئيس بوش على زيارة العاصمة الأوكرانية كييف قبل زيارته لسانت بطرسبورج لتعزيز وضع القوى الديمقراطية المحاصرة والموالية للغرب في تلك الدولة. بيد أن ما حدث في الأسابيع القليلة الأخيرة هو أن الإرادة الغربية في التصدي لبوتين قد تقوضت. ففي اجتماع وزاري لـ"الناتو" عقد منذ 11 يوماً، رفضت فرنسا وحكومات أوروبية أخرى، حديث الولايات المتحدة عن إجراء "حوار مُطور" مع جورجيا، أو إعداد خطة عمل لحصول أوكرانيا على عضوية "الناتو"، رغم التظاهرات المدعومة من روسيا في منطقة القرم الأوكرانية. في ذلك الوقت أعلن البيت الأبيض إلغاء زيارة بوش لأوكرانيا، أساساً بسبب عدم قدرة الأحزاب الموالية للغرب في تلك الدولة على الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة. وقد أدى خطاب تشيني إلى ردود أفعال، ليس في موسكو فقط، ولكن في أوروبا الغربية التي وُصف نائب الرئيس الأميركي فيها بأنه كان مستفزاً للغاية. أما بالنسبة للإمبريالية الروسية الجديدة فيقول مسؤولو الإدارة الأميركية إنهم لا يزالون يسعون إلى وضع جورجيا ومولدوفيا على الأجندة خلال اجتماع وزراء الخارجية الذي سيعقد خلال الأسبوع القادم، والذي لا يتوقعون له النجاح مع ذلك. وكانت أقوى تحركات بوتين في الآونة الأخيرة موافقته على المشاركة في محاولة غربية ترمي إلى تجميد برنامج إيران النووي. وفي مقابل هذا الدعم تمكنت روسيا من تجنب إصدار قرار من مجلس الأمن كان سيأمر بإيقاف هذا البرنامج، كما حالت دون حدوث شقاق كان يلوح في الأفق بينها وبين الغرب بشأن فرض عقوبات على طهران. يتبين مما سبق أنه طالما كانت موسكو مشاركة في هذا الموضوع الذي يعتبر من أهم موضوعات سياستها الخارجية، فإن إدارة بوش ستمتنع عن إثارة الموضوعات التي تناولها تشيني في خطابه، وإن كان المسؤولون الأميركيون يصرون على أن تلك الموضوعات لم يتم إسقاطها. صناع السياسة الأوروبيون لا يعانون من هذه الهواجس. فهم يقولون صراحة، سواء في واشنطن أم في بروكسل، إنه يتعين تحمل سياسات بوتين الضارة، ليس بسبب موضوع إيران فقط، ولكن بسبب أهمية روسيا كمورد للطاقة. والحقيقة أن الاتحاد الأوروبي قد تعرض بالفعل للترهيب من قبل بوتين. ففي اجتماع عقد في منتجع "سوتشي" المطل على البحر الأسود في أواخر شهر مايو الماضي، رفض بوتين بشكل قاطع مناشدات الاتحاد الأوروبي له بتخفيف قبضته على خطوط الأنابيب التي تحمل الغاز والنفط إلى أوروبا، والسماح بمزيد من الاستثمارات الأوروبية في حقول النفط الروسية. ولتأكيد ذلك، أكدت حكومة بوتين الأسبوع الماضي أن الشركات الغربية لن يسمح لها سوى بالحصول على نسبة ضئيلة من أسهم المشروعات الصغيرة فقط. وكان لعناد بوتين وقوة شكيمته مردود يلخصه أحد مسؤولي الأمم المتحدة في عبارة واحدة: "استرضاء الغرب له". وقد شرح لي أحد المسؤولين الأوروبيين الكبار المنطق الذي يقف وراء ذلك على النحو التالي: "على المدى المنظور، سيكون اعتماد الاقتصادات الأوروبية على الطاقة الروسية. ولكن هذه الطاقة لن تكون متاحة، ما لم تستثمر روسيا أموالاً ضخمةً خلال السنوات القادمة، واختارت أن تستمر في بيع منتجاتها من النفط والغاز في أوروبا بدلاً من الصين... ما يعني أنه لا خيار أمامنا سوى القيام بدعم مركز سلطة قوي في موسكو، حتى نضمن تلك الاستثمارات، واستمرار تدفق الطاقة لأسواقنا". ومقابل العزيمة الأوروبية الخائرة في مواجهة موسكو، فإن المسؤولين الأميركيين سلموا هم أيضاً بالمشاركة في قمة سيصور فيها بوتين نفسه باعتباره زعيماً لقوة عظمى ناهضة من جديد. لن يكون أمام الجورجيين والمولدافيين سوى التفرج على القادة الغربيين وهم يتبادلون الأنخاب مع بوتين، دون أن يقوموا بمناقشة مقاطعة موسكو لصادرات بلديهما وتأييدها للنزعات الانفصالية فيهما. أما الديمقراطيون وجماعات المجتمع المدني في روسيا، فسيحاولون إقناع أنفسهم بالاكتفاء بمقابلة المسؤولين الأميركيين من المستوى المتوسط في موسكو -إذا ما ساعدهم الحظ على مقابلتهم أساساً. أما المشاهدون في باقي العالم فقد يتساءلون -وهو أمر مفهوم- هل وجدت مجموعة الدول الثماني العظمى من أجل خدمة روسيا؟ أم أن هناك غرضاً آخر لها؟ جاكسون ديل كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"