بدأت في الآونة الأخيرة تتعالى أصوات من داخل المؤسسة السياسية بواشنطن تحث "الجمهوريين" على ضرورة الإصغاء إلى قاعدتهم "المحافظة" والتواصل معها أكثر. وفي هذا الإطار انبرى العديد من المراقبين والخبراء، فضلاً عن المعلقين في الصحف الكبرى يسدون النصائح إلى اللجنة المركزية للحزب مسلطين الضوء على الحاجة إلى تحفيز تلك القاعدة المهمة قصد الحفاظ على الأغلبية "الجمهورية" في الانتخابات النصفية المقبلة. والواقع أن الاعتماد على القاعدة القوية للحزب من "المحافظين" بات يشكل جزءاً كبيراً من التحاليل التي تطالعنا يومياً في الصحف والبرامج التلفزيونية، إلا أنها ليست وحدها كافية بأي حال من الأحوال. وإذا كانت القاعدة المحافظة محورية في إبقاء هوية الحزب قائمة، إلا أنها لن تدخلنا إلى الكونجرس بالحجم الكافي لإبقاء هيمنة الجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ. لذا فإنه لا مندوحة من التواصل مع الناخبين المستقلين الذين لم يحسموا أمرهم بعد والسعي إلى استمالتهم تجاه أجندة الحزب السياسية. ففي استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "كوك للتقارير السياسية" أظهر أن الحزب "الديمقراطي" يتقدم على خصمه "الجمهوري" بـ11 نقطة إزاء سؤال طرح على المستجوبين "من تفضل أن يسيطر على الكونجرس من الحزبين؟". وليس غريباً أن يشير استطلاع الرأي إلى أن 87% من الناخبين الذين يصنفون أنفسهم كـ"جمهوريين" أعربوا عن تفضيلهم للحزب "الجمهوري". وبنفس النسبة تقريباً أعلن الناخبون المحسوبون على "الديمقراطيين" تفضيلهم للحزب "الديمقراطي". ويبقى أن نشير هنا أن 11 نقطة التي تقدم بها "الديمقراطيون" على "الجمهوريين" ليست ناتجة عن قاعدة "الديمقراطيين" الذين شأنهم شأن القاعدة المحافظة لـ"الجمهوريين" ستذهب أصواتهم على نحو بديهي إلى أحزابهم، ولكنها ناجمة في المقابل عن تحول دراماتيكي في توجهات الناخبين المستقلين الذين انحازوا هذه المرة ضد هيمنة الحزب "الجمهوري" على الكونجرس. فكما أفاد استطلاع الرأي ثمة هامش يتراوح بين 1 إلى 2% يعطي الأفضلية لـ"الديمقراطيين" ويبوئهم الصدارة في السباق المحموم للسيطرة على مجلسي النواب والشيوخ. وعلى ضوء ما سبق ليس غريباً أيضاً أن يعلق "الديمقراطيون" آمالهم في استعادة الأغلبية على ما أسموه باستراتيجية ولايات الشمال الشرقي التي تستهدف بالأساس المرشحين "الجمهوريين" في الولايات الزرقاء ذات الميول "الديمقراطية" مثل نيويورك ونيوجرسي، وبنسلفانيا وكونكتيكت، ثم نيو هامبشاير. وحسب المعلقين السياسيين في "نيويورك تايمز" ستكون الحملة الانتخابية في الولايات الزرقاء على أشدها، حيث سيرتكز السباق على الناخبين المستقلين لانتزاع النصر وحصد العدد الأكبر من الأصوات. ولعله من المفارقات العجيبة في هذه الانتخابات الضرر الذي سيلحق بـ"الجمهوريين" من الوسط إذا ما فاز "الديمقراطيون" بأغلبية الأصوات المستقلة في الولايات الشمالية والشرقية. وبالنسبة للاستراتيجيين الديمقراطيين والجماعات "اليسارية" التي تسعى إلى دحر الحزب "الجمهوري" وانتزاع الأغلبية من بين يديه يشكل اعتماد هذا الأخير على أجندة شديدة "المحافظة" لاستقطاب القاعدة "الجمهورية" الواسعة ضربة قاضية ينتظرها "الديمقراطيون" على أحر من الجمر لخطف أصوات الناخبين المستقلين واستمالتهم بعيداً عن الحزب "الجمهوري". لذا أدعو "الجمهوريين"، إذا أرادوا الحفاظ على تفوقهم في مجلسي الشيوخ والنواب، أن يوجهوا خطابهم السياسي إلى الناخبين المستقلين عبر وضع أجندة شاملة تستجيب لتطلعات الأميركي المتوسط وتعكس قيمه وأولياته الأساسية. وهي الأولويات التي عددها استطلاع الرأي في خمس تتوزع على انشغالات محورية هي الوظائف والاقتصاد، وقضية العراق، والرعاية الصحية، وأسعار الوقود، ثم التعليم. ولمعالجة هذه القضايا والأولويات يحتاج الحزب "الجمهوري" لصياغة سياسات حقيقية بدل الانخراط في خطاب سياسي موجه فقط إلى القاعدة "المحافظة". وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى بعض السياسيين "الجمهوريين" في الكونجرس من الذين يعكسون أجندة الوسط ويخاطبون الناخبين المستقلين. فقد تزعمت "نانسي جونسون" من كونكتيكت و"فريد أبتون" من ميتشيجن جهود الدفاع عن الاستثمار في برامج التعليم والرعاية الصحية خلال المصادقة على موازنة السنة الجارية. كما طالب "هيذر ويلسون" من نيوميكسيكو بسن تشريعات جديدة تحد من الارتفاع الصاروخي في أسعار الوقود الذي ينهك جيوب الأميركيين. ومن جانبهم ركز "مليك كاسل" من "ديلاور" و"جيم جيرلاش" من بنسلفانيا على ضرورة تخليق العمل التشريعي في الولايات المتحدة لصيانة نزاهة الكونجرس الأميركي. وهكذا يبدو أن "الجمهوريين" من الوسط يخوضون المعارك تلو المعارك لتقديم حلول معتدلة للمشاكل التي تواجه الأمة، وهو ما يحتم تشجيع ومؤازرة القيادة "الجمهورية" في واشنطن لهذه الجهود المعتدلة من أجل مضاعفة حظوظ الحزب في استقطاب أغلبية الأميركيين واستدرار أصواتهم في الاستحقاقات المقبلة. ولعلنا مازلنا نذكر كيف اجتاح "الجمهوريون" الكونجرس سنة 1994 بفضل اعتمادهم ليس فقط على قاعدتهم المحافظة وتحفيزهم لها، بل أيضا على الناخبين المستقلين الذين ارتفع تأييدهم للحزب "الجمهوري" بين 1992 و1994 إلى 10 نقاط لترتفع نسبة المساندة من 46% إلى 56%. وتلك الثورة "الجمهورية" ارتكزت على استراتيجية من شقين: فمن جهة الاهتمام بقاعدة الحزب من "المحافظين" التقليديين، ومن جهة أخرى مد الجسور مع الناخبين المستقلين، وهو ما علينا الاستفادة منه مجدداً في انتخابات الكونجرس المقبلة. ــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"