في أوائل شهر مايو 2006 قامت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بزيارة رسمية إلى الولايات المتحدة، حيث التقت بالرئيس جورج دبليو بوش. وما يهم العالم العربي من هذه الزيارة هو تطابق موقفي الطرفين حول العديد من القضايا التي تخص العالم العربي وجواره الجغرافي، فقد شدد الرئيسان كثيراً على مواقفهما القوية حيال سلسلة طويلة من القضايا التي تهم المنطقة، بما في ذلك التزامهما بحماية إسرائيل ورفضهما إجراء أية اتصالات بالحكومة الفلسطينية التي شكلتها حركة "حماس" وموقفهما المشترك الرافض تماماً للتسلح النووي الإيراني. وقد أعلن رئيسا البلدين عن مواقفهما في مقر اللجنة اليهودية الأميركية التي احتفلت منذ أيام بعيد تأسيسها المئوي، وقام كل من ميركل وبوش بإلقاء كلمة له فيها بهذه المناسبة. ففي كلمتها أمام الحفل الذي حضره أيضاً كوفي عنان سكرتير عام هيئة الأمم المتحدة، قالت المستشارة الألمانية إن بلادها لن تتردد أبداً في تأييد إسرائيل، ملمّحة إلى ما فعلته المذبحة النازية ضد اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، وقالت إن بقاء إسرائيل ليس محل تساؤل مطلقاً. وهذه هي المرة الأولى التي يقف فيها مستشار ألماني لكي يتحدث أمام اللجنة اليهودية الأميركية ذات النفوذ الواسع في المجتمع والسياسة الأميركيين. ومن جانبه، قال الرئيس الأميركي إن التزام بلاده بأمن إسرائيل قوي وثابت ولا يمكن أن يهتز مطلقاً، وإن الولايات المتحدة وإسرائيل حليفان طبيعيان ولا يمكن لما يربطهما ببعضهما بعضاً أن ينكسر في أي وقت من الأوقات. وبالنسبة للشؤون الفلسطينية قال كل من بوش وميركل إن على حركة "حماس" أن تختار السلام عن طريق الاعتراف بإسرائيل، لأنه بقيامها بذلك تكون قد اختارت تقديم مستقبل أفضل للشعب الفلسطيني. وقال بوش إن "حماس" تقول إنها لا تعترف بحق إسرائيل في البقاء، لذلك فإنه يقول لـ"حماس" صراحة إنه طالما بقيت سياستها تسير على نفس هذا المنوال، فإن الولايات المتحدة لن تجري أية اتصالات مع قادة "حماس". وأيدت ميركل ما قاله بوش موضحة أنه يتوجب على "حماس" نبذ العنف والاعتراف بحق إسرائيل في البقاء دون تردد. إن مواقف وتصريحات ميركل الأخيرة في الولايات المتحدة تعكس رغبتها القوية في إقامة روابط متينة بين بلادها والولايات المتحدة، وربما تحاول ميركل بذلك أن تعيد دور ألمانيا كوسيط بين أطراف مختلفة في أوروبا أو عبر الأطلسي. وفي الوقت الذي يعتبر فيه لقاء ميركل الأخير بالرئيس الأميركي في واشنطن عرضاً عاماً لما يحدث من تغيير في الأسلوب ودعاية سياسية مضادة لما كان يقول به سلفها المستشار السابق شرويدر، إلا أنها تبدو حريصة أيضاً وحذرة من أنه يجب عليها أن تتصرف بحكمة متناهية تجاه كافة القضايا التي تهم المصالح الألمانية أياً كانت الجهة التي تكمن فيها تلك المصالح. ويبدو أن المنهج الذي تتبعه ميركل في إدارة السياسة الخارجية لبلادها، خاصة تجاه الولايات المتحدة، منذ توليها منصب المستشارية، يعتبر ذا نمط جديد خاص بها وحدها، ويتضح ذلك من نجاح الزيارة التي قامت بها مؤخراً إلى واشنطن. ولكن السؤال الذي يبقى هو: إلى أي مدى تستطيع المستشارة ميركل أن تستمر في ذلك دون أن تتيح للمعارضة في بلادها والتي لابد أن تتربص بها سياسياً، فرصة انتقادها والتمكن من إقناع العامة الألمانية بأن ما تقوم به مستشارتهم حالياً لا يصب في نهاية المطاف في مصلحة بلادهم بالنسبة للقضايا المتعلقة بالمنطقة العربية وجوارها الجغرافي. ومن جانب آخر، فإن علاقات ألمانيا بالولايات المتحدة قد تصطدم بصخور قاسية حول الانتقاد الألماني المستمر تجاه تكتيكات واشنطن في محاربة الإرهاب، فبرغم من مواقف ميركل وآرائها تجاه ما يسمى بالإرهاب، ومما تقوله من أن المعركة ضد الإرهاب تتطلب استعمال جميع الوسائل السياسية والاقتصادية والعسكرية أيضاً لو تطلب الأمر ذلك كملاذ أخير، إلا أن نظرة العامة الألمانية تجاه الوسائل والتكتيكات المتخذة حالياً من الولايات المتحدة تبقى مختلفة إلى حد كبير ولها مواقفها المستقلة التي تثبت ذلك.