يضج سباق الانتخابات الرئاسية في المكسيك بموضوعات شتى تتوزع بين المشاكل المتعلقة بالبطالة وضرورة خلق وظائف جديدة ومعالجة قضية الهجرة، إلى الصراع بين الموجة الشعبوية الصاعدة في أميركا اللاتينية وتيار النيوليبرالية وأنصاره، فضلاً عن الرؤى المختلفة التي يعبر عنها كل من هوجو شافيز من جهة وجورج بوش من جهة أخرى. لكن بتوجه ملايين الناخبين المكسيكيين إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الثاني من شهر يوليو المقبل تبهت جميع المواضيع الأساسية ليبرز موضوع واحد يلهب الجماهير متمثلاً في سؤال جوهري: كيف سيكون أداء المنتخب المكسيكي في كأس العالم بألمانيا؟ وليس السؤال غريباً بالنظر إلى العشق الذي يكنه الشعب المكسيكي لكرة القدم، وقد لا نبالغ إذا قارنا بين الشخصية الروائية لـ"دون كيشوت" الغارقة في السراب، وبين شخصية المكسيكيين الغارفة أيضاً في حب الساحرة المستديرة. والأكيد أن رياضة كرة القدم متفشية بعمق في الحياة الاجتماعية للبلد، وتسهم في تشكيل مخياله الجماعي. ولا غرو والحال هكذا أن تتوالد النظريات تلو النظريات محاولة استكناه مدى تأثير مشاركة الفريق المكسيكي لكرة القدم في كأس العالم على الحملة الانتخابية الرئاسية بالنظر إلى الحماس الكبير الذي تثيره اللعبة الأشهر في العالم في نفوس المكسيكيين. واللافت أن تلك النظريات بقدر ما هي كثيرة ومتنوعة بقدر ما هي متناقضة في توقعاتها. فلم تمنع لعنة سوء الطالع التي لاحقت المنتخب المكسيكي طيلة منافسات كأس العالم السابقة من تعليق المكسيكيين هذه المرة آمالاً عريضة على منتخب بلادهم، رغم أدائه الجيد في بعض الأحيان وفشله في أحيان أخرى في تحقيق نتائج تدخِل الفرحة إلى صدور مشجعيه العاشقين له إلى حد الهوس. ويستمد هذا الأمل شرعيته من المدرب الأرجنتيني المقتدر "ريكاردو لافالوبي"، الذي سيشرف على قيادة الفريق في المنافسات القادمة، حيث تعهَّد بأن يتمكن فريقه من شق طريقه إلى منافسات ربع النهائي قبل أيام فقط من الانتخابات الرئاسية. وهنا تحديداً تبدأ النظريات في نسج خيوطها وإطلاق توقعاتها الأكثر تناقضاً. فحسب إحدى الفرضيات سينعكس الأداء الجيد للمنتخب المكسيكي في كأس العالم على حظوظ المرشح "أندريز أوبرادور"، العمدة "اليساري" للعاصمة مكسيكو ومرشح حزب "الديمقراطية الثورية"، الذي يتمتع بشعبية واسعة في أوساط الطبقة الفقيرة في البلاد. وبالاستناد إلى منطق هذه الفرضية فإن الجماهير المكسيكية التي ستبتهج بإنجازات منتخبها في كأس العالم بكسره لسوء الحظ وخلخلته لوضع كرة القدم الراكد ستسعى بالمثل إلى نقل هذه الخلخلة إلى المجال السياسي برفضها للوضع الراهن وسعيها إلى تغييره عبر التصويت لصالح بدائل أكثر ثورية متمثلة في المرشح "أوبرادور". وفي مقال للرأي نشرته صحيفة "ريفورما" المكسيكية ذائعة الصيت للباحث السوسيولوجي "خوسي وولدنبورج" تحت اسم مستعار توقع أنه: "في حال وصول المنتخب المكسيكي إلى الدور النصف النهائي قبل الانتخابات الرئاسية في 2 يوليو المقبل ستجتاح موجة من الفرح العارم والرضا عموم البلاد على نحو لم تشهده البلاد منذ عقود، بل منذ قرون من الزمن". وبعبارة أخرى فإن ما يذهب إليه الباحث السوسيولوجي يناقض بشكل صارخ الفرضية الأولى التي ترى أن تحقيق نتائج جيدة سيحدث تغييراً راديكالياً في السياسة المكسيكية. فالباحث يرى أن تحقيق المنتخب لنتائج إيجابية في منافسات كأس العالم الكروية من شأنه تعزيز الروح القومية للمكسيكيين وخلق انطباع لديهم بأن الأمور تسير على نحو جيد ولا داعي للتغيير. وفي هذه الحالة سيميل الناخبون إلى التصويت لصالح المرشح المحافظ المنتمي إلى حزب "الحركة الوطنية" فيليب كالديرون الموالي لقطاع رجال الأعمال والذي يحكم المكسيك حالياً تحت قيادة الرئيس "فيسنتي فوكس". ويتابع الباحث السوسيولوجي "وولدنبورج" أن النتائج ستكون وخيمة على حزب "الحركة الوطنية" المحافظ إذا ما تعثر المنتخب المكسيكي في الدور الأول وأظهر أداءً متواضعاً. وفي إشارة واضحة إلى أهمية كرة القدم في الحياة السياسية، لاسيما في ظل المشاركة المكسيكية في كأس العالم إبان المرشح "كالديرون"، الذي تضعه استطلاعات الرأي في مرتبة قريبة من منافسه "اليساري" أوبرادور، عن حرص بالغ في ربط احتمالات فوزه بالأداء الجيد للمنتخب. وفي هذا السياق التقى المرشح أعضاء الفريق أثناء التدريب وحثهم على بذل قصارى جهدهم في المنافسات. وسعى "كالديرون" أيضاً إلى الربط بين طموح الفريق في تحقيق نتائج جيدة من جهة وتطلعاته الخاصة بالفوز في الانتخابات الرئاسية من جهة أخرى، حيث صرح قائلا "إنني أومن بمكسيكو تنتمي للمنتصرين". غير أنه في أحد الإعلانات التي أراد من خلالها أن يبرز مهارته الكروية مع بعض لاعبي المنتخب فقَد بعض النقاط وتراجع إلى الوراء قليلاً بعدما ظهر وهو يلعب الكرة وكأنه رجل قضى حياته كلها وراء مكتب ولا علاقة له بكرة القدم. ولم يقف المرشح المنافس "أوبرادور" مكتوف اليدين بل ضمن تصريحه الذي أدلى به أمام التلفزيون تلميحات دالة عندما قال "إن إرادة النجاح أساسية سواء تعلق الأمر بالسياسة، أم برياضة، أو أي شيء آخر". غير أن ماضيه يلقي بظلال من الريبة على توجهه الحالي لصالح كرة القدم ويجعل منه مرشحاً أقل حظوة في أعين ملايين المكسيكيين. ولأن مرشح الحزب الثوري المؤسسي "روبيرتو مادرازو" نأى بنفسه عن كرة القدم وفضل التركيز على برنامجه السياسي دون سواه تجاهلته الجماهير ليحتل المرتبة الثالثة وراء المرشحين السابقين. ريد جونسون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عضو هيئة التحرير في صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"