في الوقت الذي توقع فيه خبراء، خلال المؤتمر السنوي الأخير لـ"الجمعية الأميركية لتقدّم العلوم"، رفع سن التقاعد في الدول المتقدّمة من 65 عاماً حالياً إلى 85 عاماً بحلول عام 2050 بسبب استمرار توجهات زيادة العمر والتقدم الذي حصل في مجال تأخير الشيخوخة، تشير إحصاءات الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية إلى أن عدد المتقاعدين في دولة الإمارات خلال السنوات الست الماضية تجاوز سبعة آلاف متقاعد، أو ما يزيد على 5% من مجموع المواطنين العاملين في مختلف القطاعات في الدولة، منهم نحو ثلاثة آلاف تقاعدوا مبكراً، بينما لا تتجاوز نسبة الذين يرجعون إلى العمل 20% فقط، الأمر الذي يضطر معه أصحاب العمل إلى توظيف المزيد من الأيدي العاملة الوافدة مكانهم لحاجتهم الكبيرة لعمالة مؤهلة وجاهزة للعمل، بعد أن فقدوا في حالات التقاعد المبكر خبرات مواطنة قيّمة اكتسبها المواطنون على مدى 15 سنة من العمل والدورات التدريبية، أنفقت الدولة عليها مبالغ طائلة، تضاف إلى ما أنفقته الدولة في سبيل توفير التعليم لأبنائها في الداخل والخارج. بجانب قانون المعاشات الذي يشجع على هذه الظاهرة، بما يحمله من مزايا عديدة للمتقاعدين مبكراً، تضمن لهم 60% من راتب حساب المعاش عن الـ15 سنة الأولى من العمل، شهدت الساحة المحلية تطوّرات مهمّة خلال السنتين الماضيتين أسهمت بدورها في توفير فرص وحوافز إضافية مغرية للمتقاعدين، منها هوس المتاجرة في الأسهم، وهو الهوس الذي دفع العديد من الموظفين إلى هجر وظائفهم واللجوء إلى سوق الأسهم واتخاذ المضاربة وظيفة جديدة لهم، بعد أن أتاحت لهم البنوك فرصاً مغرية للاقتراض. إن التقاعد المبكر الذي يشجعه قانون المعاشات وبيئة العمل في دولة الإمارات، ويستنزف القوى العاملة المواطنة، ويفقد الدولة كوادرها المؤهلة والمدربة في أوج نضجها وقمة عطائها، يتطلّب وقفة متأنية، خاصة أن الإمارات أحوج من جميع دول العالم لتوظيف كامل طاقتها البشرية المواطنة. فخلافاً لما يحدث في العديد من الدول التي تجتهد في الاستفادة من مواردها البشرية حتى آخر لحظة من حياتهم، فإن المتقاعد المبكر في الإمارات يتوقف نشاطه وعطاؤه بصفة شبه كليّة بعد سن التقاعد، رغم أن ما يقدّر بنحو ثلثي عدد المتقاعديـن في سن الشباب، وغالباً ما يلجأ إلى أنشطة ثانوية لا تتناسب وخبرته الطويلة، خاصة سوق الأسهم، ليكمل بها ما تبقى من مسيرة حياته. ومع ارتفاع متوسط معدل الحياة في الإمارات إلى سن الثالثة والسبعين بفضل الرعاية الصحية المقدمة من قبل الدولة، وهو من المعدلات الأعلى في العالم، فإن هيئة المعاشات تدفع للمتقاعد مبكراً، عند سن 33 عاماً على سبيل المثال، معاشاً لنحو 40 عاماً وتستمر في الدفع بعد وفاته لأرملته والمستحقين عنه، بينما يكون هذا المتقاعد قد عمل أقل من نصف هذه الفترة، ما يعدّ استنزافاً واضحاً لموارد الهيئة المالية، التي هي أموال المشتركين وملاذ للمواطنين، لاسيما أن الهيئة تسعى إلى إيجاد نوع من التوازن بين الموارد والالتزامات لاعتمادها على التمويل الذاتي. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية