تتابعت خلال هذا الأسبوع مشاهد تتعلق بالمشهد الفلسطيني-الإسرائيلي يتصل بكل منها سؤال، وتتشابك الأسئلة في سياق واحد. السؤال الأول يتعلق بمشهد التجويع الذي يمارسه المجتمع الدولي للشعب الفلسطيني. والسؤال هنا يقول: هل يصعب على هذا المجتمع أن يلتقط النداء الذي وجهته منظمة العفو الدولية والذي يجسد الضمير الإنساني، عندما يرفض تجويع شعب واستخدام هذا التجويع كوسيلة للضغط السياسي لانتزاع تنازلات ومواقف سياسية عبر استخدام المساعدات الطارئة التي هي حق للشعوب المنكوبة؟ لقد ربطت منظمة العفو الدولية في ندائها بين مواصلة الدعم المالي والاقتصادي للشعب الفلسطيني وبين احترام الاتفاقيات المعنية بحقوق الإنسان، مثل العهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية الصادر عن الجمعية العامة، والموقّع عليه من كافة دول العالم، وبالتالي اعتبرت المنظمة قيام الدول الكبرى بقطع التمويل المالي عن الفلسطينيين منافياً لحقوق الإنسان، بل وربطت المنظمة بين ضرورة تراجع الولايات المتحدة وأوروبا عن قرار وقف التمويل وبين التزاماتها باعتبارها أطرافاً موقّعة على اتفاقية جنيف الرابعة، المتصلة بحماية المدنيين وقت الحرب. وهنا أكد نداء المنظمة أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تشكل أطرافاً متعاقدة في اتفاقيات جنيف، وبالتالي يتعين عليها واجب احترام الاتفاقيات. إن تأكيد منظمة العفو الدولية على أن أوروبا والولايات المتحدة الداعيتان لاحترام حقوق الإنسان، يترتب عليهما واجب حماية الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة من الأوضاع المتدهورة المترتبة على قراراتهما.. هو تأكيد يستحق الاحترام من جانب النخب السياسية والثقافية في العالم. ولعل إظهار احترامنا بشكل مكثف لنداء منظمة العفو الدولية ومرتكزاته، يساعد الساسة الدوليين على إعادة النظر كلية في قرار وقف التمويل، والفصل بين مسألة المعونات الاقتصادية الواجبة وبين المواقف السياسية التفاوضية. أما السؤال الثاني فينبثق من اجتماع شرم الشيخ الذي ضم مساء الأحد الماضي، كلاً من الرئيس المصري حسني مبارك ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت. والسؤال هنا يقول: ترى هل تراجعت خطة الانطواء التي هي خطة أولمرت للتسوية من طرف واحد في الضفة؟ لقد أكد الرئيس مبارك في المؤتمر الصحفي أنه أوضح لأولمرت أن المهمة الجوهرية الآن هي إعادة الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني إلى مائدة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق سلام. من ناحيته أعرب أولمرت عن موافقته على صياغة الرئيس مبارك، وإن عاد ليضيف أنه في حال تعذر المفاوضات فإن إسرائيل ستلجأ إلى الحل المنفرد. إن هذا الحصاد العلني للقاء بالإضافة إلى الإعلان عن أن لقاء سيعقد ليضم أولمرت والرئيس الفلسطيني، هو حصاد كان محل توقع مسبق من جانب المراقبين في ضوء الجهد الذي يقوم به الرئيس المصري، لفتح قنوات الاتفاق بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. وإذا كان الجهد المصري مركزاً في هذه المرحلة على وضع خطة أولمرت للتسوية المنفردة على الرف، وإفساح المشهد لمائدة التفاوض، فإن السؤال الثالث الذي ينبثق هنا يتعلق بأفق التسوية التي يطرحها أولمرت، وهل سيكون هذا الأفق مطابقاً لما أعلنه حول طبيعة الحدود النهائية في إطار خطته للحل المنفرد؟ إن مثل هذا الأفق الذي يعني التهام حوالى خمسين في المئة من مساحة الضفة سواء عن طريق ضم الكتل الاستيطانية الكبرى، أو عن طريق الاستيلاء على غور الأردن، هو أفق يحكم مقدماً على أية عملية تفاوض بالفشل. وفي ضوء السوابق السياسية في تاريخ المفاوضات العربية-الإسرائيلية بل والمفاوضات الدولية عامة، يمكننا القول إن كل طرف يبدأ بطرح طلبات الحد الأقصى ليعطي نفسه وللطرف الآخر فرصة المساومة، ولتنتهي لعبة المفاوضات بمعادلة (win-win)، أي أن الطرفين قد خرجا رابحين. ولا أعتقد -في حدود خبرتي بأساليب التفاوض الإسرائيلية- أن سقف أولمرت سيبقى على حاله المرتفع إذا تمكن الطرف الفلسطيني من تنظيم صفوفه واقتحام مائدة التفاوض متدثراً بعباءة المبادرة العربية للسلام، فهي مبادرة إن أحسنا استثمارها قادرة على هدم سقف أولمرت والنزول به إلى الأرض.