شهدت مصر خلال الفترة الممتدة من 1952 وحتى 2005 ثلاثة أنماط لتداول السلطة، ففي الفترة من 1952 إلى 1999 كان تداول السلطة من خلال نمطين أساسيين هما التدخل العسكري الذي أطاح النظام الملكي والاستفتاء الذي جاء بالرئيس الراحل أنور السادات ومن بعده الرئيس حسني مبارك من خلال عملية وجود نواب لرئيس الجمهورية سنة 1970 و1981، وهذه العملية غائبة اليوم. أما النمط الثالث، فهو الانتخابات الرئاسية التي شكلت محور تحول (ذا جدل داخلي) في الوصول إلى السلطة. السياسة الخارجية المصرية في عهد الرئيس حسني مبارك ذات خصائص ومحددات وسطية بين سمات المرحلة الناصرية، المتمثلة في إحياء الدور المصري والتضامن العربي وإخراج القاهرة من عزلتها بعد معاهدة كامب ديفيد، والمرحلة التي قادها السادات وهي الحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل والارتباط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة. واكتمل في عهد مبارك الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المصرية، كما أنه لعب دوراً كبيراً في حرب الخليج الثانية (تحرير الكويت) وضبط العلاقات بين أنقرة ودمشق من خلال توقف دمشق عن دعم الأكراد واحتضان أوجلان (حيث كان هنالك تهديد عسكري من قبل أنقرة). تبرز تحديات النظام المصري من خلال التنمية ومحاولات الإصلاح الاقتصادي، وبعد عقدين ونصف من سياسات الانفتاح الاقتصادي والعمل على إصلاح أخطاء التجربة الاشتراكية، نرى مشاكل التنمية تتفاقم وتتطلب وجود خطط تنموية ذات فترات زمنية قصيرة، كما برزت تحديات التحول الديمقراطي وهي ليست تحديات ذات أبعاد داخلية بل ذات أبعاد خارجية مهمة، تتصل بالاستقرار والفعالية الداخلية كشرط أساسي للفعالية الخارجية، كما أنها تتأثر بأدوار وتداخلات القوى الخارجية. نلاحظ أن جوهر مستقبل النظام المصري يتعلق بالجانب الداخلي (التنمية والإصلاح الديمقراطي) وذلك كان واضحاً من خلال خطاب الرئيس المصري أثناء حملته الانتخابية. غير أن تركيز الرئيس المصري انصب على الجانب الاقتصادي، أما الأحزاب الأخرى، فكانت تركز على الديمقراطية والإصلاح، غير أنها عادت وجذبت الكثير من الشعب المصري من خلال تبني شعارات ومطالبات وبرامج تنموية اقتصادية. وبما أن مصر ذات ثقل عربي وشرق أوسطي سياسي واقتصادي وثقافي، فإن مستقبل العملية السياسية يساعدنا على استشراف مستقبل المنطقة بصورة أو بأخرى، ولذلك نسلط الضوء على المحاور التالية: أ‌- محور الوراثة العائلية: برزت ظاهرة الأبناء في النظم الجمهورية، وهي تفيد إعداد أبناء الرؤساء لخلافة آبائهم وتعتمد على الحزب الحاكم ومدى تمسكه بالسلطة، ومثال ذلك ما حدث في سوريا والتي دخل فيها تعديل الدستور خصيصاً للتكيف مع ظروف شخص بذاته، مما جعل هنالك جدلاً حول تعديل المادة 76 باعتبارها خطوة نحو توريث جمال مبارك من خلال جماعات نافذة من رجال الأعمال والسياسة داخل "الحزب الوطني الديمقراطي"، والتي من المتوقع أنها ستدعمه من خلال عملية الانتخاب المباشر، مما سيجعل له شرعية دستورية، حيث تجسد التسوية بين النظام الحاكم (البيروقراطية) والرأسمالية الصاعدة. ب‌- الليبرالية والديمقراطية: خرج أقوى وأهم تطور في النضال الديمقراطي من خلال بروز "حركة كفاية" في أغسطس 2004، ويقودنا هذا إلى "حزب الوفد"، الذي يحظى بتاريخ سياسي حافل بالأهمية خصوصاً بعد أن قلص الرئيس المصري من شرعية نظامه بعد أن كان متصلاً بالثورة المصرية، وذلك عبر التحول إلى انتخابات رئاسية مباشرة وتعددية، غير أن حزب "الوفد" الذي يتميز بحضور الأقباط، تعرض لصراع داخلي حول الأحقية في قيادة الحزب وهذا كان واضحاً من خلال رئيسه السابق نعمان جمعة المُصر على أن الحزب لديه القدرة على القيادة في المستقبل. أما حزب "الغد"، فهو حزب يتميز بقيادة شابة ينقصها الكثير من الثقافة السياسية والبرامج الاقتصادية والتنموية. ج- الحركات الإسلامية: تصطدم مع القانون المصري الذي يحرم قيام أحزاب دينية والتي تقود إلى زعزعة السلام الاجتماعي الداخلي، رغم ذلك تحظى الحركة الإسلامية بشعبية كبيرة جداً من خلال حضورها عبر الهيئات الخيرية والاجتماعية وتبني هدف العدالة الاجتماعية الإسلامية واستخدام الشعارات والخطابات ذات البعد المعنوي. وساعد على خروجها تقلص دور الخدمات الحكومية المختلفة للشعب وبروزها في الأزمات الداخلية، وترتبط الجماعة مع مثيلاتها مما يجعلها تأخذ نفوذاً إقليمياً. وقد اهتز مرشدها إعلامياً من خلال قضية "شتم مصر"، وجدير بالذكر أن "الجماعة الإسلامية" لم تعلن عن توجهات في السياسة الخارجية وخصيصاً الصراع العربي- الإسرائيلي، وذلك يؤكد أن المشاجب الخارجية مثل الصراع مع إسرائيل وإدانة السياسة الأميركية في المنطقة غائبة عن العملية السياسية المصرية (أي أنها تتمسك بالإصلاحات الداخلية)، وتبرز أهميتها في العملية السياسية، بأنها قد تتحالف مع القوى الأخرى وخاصة الاشتراكية والقومية منها، مما يجعل للجماعة دوراً مهماً. د– خلافات داخل الحزب الوطني: ضعف القوى "اليسارية" المصرية المتمثلة في الحزب "الناصري" وحزب "التجمع"، لا ينفي القول إن هنالك نقاطاً ذات جدل واسع داخل الحزب "الوطني الديمقراطي"، تتمحور في تكثيف الدعم والسياسات الاشتراكية في المجال الصحي والتعليمي والقطاع الزراعي والحد من تفاقم ظاهرة البطالة ووقف تضخم القوى الرأسمالية المنحصرة في فئة معينة قليلة، وإمكانية وجود قيادة عسكرية تقود البلاد كما في السابق وذلك من خلال رؤية الأمن القومي المصري الذي يرتبط بإسرائيل وعملية السلام ومع دول نهر النيل والتي تبرز أهميتها من خلال جنوب السودان وعمليات التنمية في دول الحوض كإثيوبيا، وتزداد الأهمية بتداخل دول كإسرائيل وعلاقاتها مع إثيوبيا. حميد المنصوري ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ باحث إماراتي في العلوم السياسية he_almansory@yahoo.com