بعد ستة عشر عاماً على انتهاء فترته الرئاسية مع الانهيار الاقتصادي وتصاعد أعمال العنف على يد الجماعات المسلحة، انتخب "ألان غارسيا" رئيساً لبيرو مرة أخرى، يوم أول أمس الأحد، لتتمم بذلك واحدة من عمليات الإحياء السياسي المذهلة في أميركا اللاتينية. فبعد فرز 77% من الأصوات، أعلنت هيئة الانتخابات أن غارسيا حصل على أكثر من 55 في المئة من الأصوات، مقابل 44% لمنافسه أولانتا هومالا، ذي التوجهات القومية والذي كان قد تعهد بإعادة توزيع ثروات البلاد. غارسيا الذي وجهت إليه مرة تهم الفساد وأنهى ولايته الرئاسية الأولى برصيد لا يحسد عليه، ظهر بمظهر التائب أثناء كلمة ألقاها أمام حشد من أنصاره، بمناسبة فوزه في الانتخابات، حيث قال: "إن طريقاً جديداً إلى النصر والمسؤولية فُتح في وجه أبناء حزبنا بفضل كرم الشعب وإرادة الله. والمؤكد أنه لا أحد يمكنه أن يصل إلى السلطة إذا لم يفتح قلبه أمام الله ويقر بالأخطاء التي ارتكبها"، مضيفاً القول: "لا أريد نصراً دائماً". الناخبون البيروفيون كانوا في حيرة من أمرهم للاختيار بين رئيس سابق، أدت حكومته الأولى إلى كارثة حقيقية، وضابط جيش سابق قاد مرة تمرداً عسكرياً. غير أن معظمهم اختار غارسيا في الأخير باعتباره أهون الضررين. وفي هذا الإطار، يقول فيكتور روندوي، وهو مهندس كهرباء في الثامنة والأربعين من عمره، بعد لحظات من تصويته على غارسيا: "إنه أمر محزن، ولكن ماذا عسانا نفعل؟ على الأقل سيكون غارسيا أكثر ديمقراطية". وتعد عودة غارسيا مذهلة في منطقة تميزت بعودة رؤساء سابقين إلى السلطة، بمن فيهم أولئك الذين تركوها بسجل ضعيف، حيث تميزت فترة حكمه الأولى بين عامي 1985 و1990 بأزمات عديدة، كارتفاع نسبة التضخم، وشح في الأغذية، واستشراء للفساد، وتصاعد لأعمال العنف على يد تنظيم "الطريق المضيء" المتمرد. أما هومالا، البالغ 43 عاماً، والذي يعد الأخير في سلسلة الزعماء الشعبويين الذين صعدوا إلى الساحة السياسية في المنطقة، فقد انتقد الشركات متعددة الجنسيات الأجنبية، متهماً إياها باستغلال موارد البيرو الطبيعية، كما صوب سهام انتقاداته إلى الساسة الفاسدين. وإذا كانت إدارة الرئيس المنتهية ولايته أليخاندرو توليدو قد سجلت نمواً اقتصادياً كبيراً، فإن هومالا راهن على استمالة الفقراء والتعهد بإعادة توزيع ثروات البلاد في حال فوزه. وكان من نتائج ذلك أن منحه البيروفيون، خلال الجولة الأولى من الانتخابات في التاسع من أبريل، أغلبية الأصوات من بين 20 مرشحاً، جاعلين من حزبه الأكبر في الكونغرس. غير أن غارسيا، الذي كان حينها في المركز الثاني، احتل موقعاً متقدماً بعد الجولة الأولى لأن العديد من البيروفيين الذين كانوا يدعمون المتنافس الثالث لورديس فلوريس تحولوا إلى دعمه بدلاً من هومالا. وقد حظي غارسيا بالمزيد من التأييد بعد أن أعرب رئيس فنزويلا هوغو شافيز عن تأييده لهومالا، ما تسبب في خصومة دبلوماسية بين البلدين. غير أن جهود شافيز لمساعدة هومالا أتت بنتائج عكسية لاحقاً، حيث ارتفعت نسبة تأييد غارسيا في استطلاعات الرأي في الأسابيع الأخيرة. وليلة الأحد بدا أن غارسيا يستمتع بالنكسة التي أصابت شافيز، الذي كان قد تحدث من قبل عن تحالف مع حكومة هومالا بهدف التصدي للنفوذ الأميركي في المنطقة. وفي هذا السياق، قال غارسيا الذي من المؤكد أن فوزه سيسعد إدارة الرئيس بوش: "لقد أرسلت البلاد الليلة رسالة سيادة واستقلال وطني، وهزمت جهود هوغو شافيز التي ترمي لضمنا إلى استراتيجيته التوسعية". كما أعلن غارسيا، الذي بدا أنه تبنى مواقف مختلفة عن مواقفه الأولى، أن الرخاء والازدهار لن يتأتيا سوى عبر التجارة والاستثمارات. كما تعهد بالتركيز على التنمية الاقتصادية، ومن ذلك حماية المزارعين من تأثيرات اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة وتقديم الدعم للمقاولات الصغرى. والواقع أنه واصل إظهار الشعبوية، التي جعلت منه شخصاً محبوباً لدى اليسار الدولي في الثمانينيات، وهو ما يثير علامات استفهام حول الشخصية التي سيظهر بها ألان غارسيا عندما يتسلم مقاليد الرئاسة في نهاية يوليو المقبل. وفي هذا السياق، تقول سينثيا ماكلينتوك، الخبيرة في الشؤون البيروفية بجامعة جورج واشنطن، إن ألان غارسيا "يمكن للجميع أن يلاحظ أنه سياسي لامع، وأن لديه القدرة على الإقناع"، مضيفة: "ولكن هل يستطيع التركيز على الأمور السلبية والتغلب عليها ومحاربة الفساد؟ علماً بأنها كلها أمور لم يفلح في القيام بها خلال فترته الرئاسية السابقة". الواقع أن العديد ممن صوتوا لغارسيا فعلوا ذلك وذكريات واضحة من فترته الرئاسية الأولى حاضرة في أذهانهم، مثل طوابير الطعام الطويلة والتضخم المهول الذي شهدته البلاد. وتعليقاً على ذلك تقول ناخبة تدعى روزا ماريا إيسبينوزا: "كل ذلك يقلقني، ولكنني أؤيد ألان"، مضيفة: "إن شخصاً تعرفه أفضل من شخص لا تعرفه"! ــــــــــــــــــــــــــــــــــ خوان فوريرو ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل "نيويورك تايمز" في ليما ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"