يوم الاثنين الذي سيوافق 19 يونيو، من المرتقب أن يودع 4000 موظف حكومي، يمثلون ما يزيد على 50 وزارة ووكالة فيدرالية كوزارة الخارجية ووزارة الطاقة وغيرهما، أقاربهم في اتجاه العشرات من منشآت الطوارئ السرية المنتشرة ما بين ضواحي ميريلاند وفرجينيا وسفوح جبال "أليغينيز"، حيث سيلجأ هؤلاء الموظفون إلى مخابئ تحت- أرضية في عملية "إخلاء" وصفتها العديد من المصادر بأكبر تدريب على "استمرار الحكومة" أنجز حتى اليوم. إذ يرمي التمرين إلى إعداد الحكومة الأميركية لمواجهة حدث أكثر مأساوية من هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ويمثل التمرين مظهراً آخر من مظاهر هاجس استمرار الحكومة الذي يسكن إدارة بوش منذ الحادي عشر من سبتمبر. ويتعلق الأمر هنا بتسخير الكثير من الوقت والمال والجهد يعيد إلى الأذهان أيام الحرب الباردة، حيث تعيد العملية السرية الضخمة خلق سيناريوهات الخمسينيات، ولكن باستعمال وسائل تكنولوجية حديثة ومتطورة هذه المرة –وكل ذلك بغية ضمان استمرار المهام الحكومية "الأساسية" دون توقف في حال انفجار قنبلة إرهابية وسط العاصمة واشنطن. بعد الحادي عشر من سبتمبر، أفادت صحيفة "واشنطن بوست" أن الرئيس جورج بوش شكل حكومة ظل تضم نحو 100 مدير مدني رفيع المستوى للعيش والعمل خارج واشنطن بالتناوب، ضماناً لاستمرار الأمن الوطني. ومنذ ذلك الحين، تم توسيع برنامج كان مقتصراً في ما قبل على الخلافة الرئاسية والمراقبة المدنية للأسلحة النووية الأميركية، ليضم الحكومة برمتها من وزارة التربية وإدارة التجارة وإدارة الأرشيف الوطني وغيرها، حيث أضحت كل وزارة ووكالة مطالبة اليوم بالتخطيط للاستمرار في القيام بالمهام الأساسية خارج العاصمة واشنطن. غير أنه استناداً إلى عدد من الوثائق التي حصلتُ عليها والمقابلات التي أجريتها، لا توجد اليوم ثقة كبيرة بشأن القدرة على مواصلة تأمين الخدمات الأساسية في حال كارثة ما, كما أن الجميع يجهل كيف يمكن لعملية إخلاء أن تتم عملياً. وعلاوة على ذلك، فمنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر وإعصار "كاترينا"، تم توسيع تعريف المهام الحكومية "الأساسية" كثيراً، متجاوزاً مهام الأمن القومي، إلى درجة أنه أفرغ من محتواه. صحيح أن هدف الجهد الحكومي يستحق الإشادة، بل إنه ضروري، غير أن مقاربة غارقة في المركزية بناء على نموذج الحرب الباردة لعمليات الإخلاء واللجوء إلى المخابئ تجعله عديم القيمة عملياً. والواقع أنها ليست مفاجأة أن يكون برنامج الاستمرار هذا مفتقراً إلى التخطيط والإدارة الجيدين، ذلك أن وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية التي أثبتت فشلها في "نيوأورليانز" بعد إعصار "كاترينا"، وكالة قالت عنها لجنة تحقيق تابعة لمجلس الشيوخ إنها "تمر بحالة فوضى وغير قابلة للإصلاح"، هي نفسها التي أسند إليها هذا المجهود الضخم من أجل التخطيط لاستمرار حكومة الولايات المتحدة. هذا ومما تجدر الإشارة إليه أن "برامج الاستمرار" بدأت لأول مرة أوائل الخمسينيات، عندما دفع شبح حرب نووية إدارة الرئيس هاري ترومان إلى الشروع في التخطيط للعمل الحكومي الطارئ والدفاع المدني، حيث تم حينها بناء مخابئ تحت-أرضية، كما تم وضع برنامج حكومة ظِل معقد وسري. إلى ذلك، يشكل تمرين هذا العام، الذي أطلق عليه "التحدي الأمامي 06"، ثالث تمرين كبير لاستمرار عمل الوكالات الحكومية منذ الحادي عشر من سبتمبر. ويقضي التمرين، الذي يعد أكبر من تمريني "التحدي الأمامي 04" و"القمة" اللذين أجريا العام الماضي، بانتقال 31 وزارة ووكالة إلى مقرر جديد، في حين من المتوقع أن يشارك فيه ما بين 50 و60 وزارة ووكالة فيدرالية. وحسب مصادر حكومية، ينتظر أن يبدأ "التحدي الأمامي" بسلسلة من الإنذارات التي سيتلقاها المسؤولون الكبار. أما هدفه الرئيسي، فهو اختبار مستوى استعداد جميع المصالح والهيئات الحكومية الفيدرالية التي يتعين على كل واحدة منها أن يكون لديها عدد كافٍ من الموظفين من أجل ضمان التناوب على أداء المهام الأساسية. وإذا كان موظفو البيت الأبيض والمسؤولون العسكريون الكبار سيُنقلون عبر "برنامج الإخلاء الطارئ المشترك" التابع للبنتاغون، فسيتعين على المدنيين التوجه بمفردهم إلى نقاط الإخلاء التي تم تحديدها. غير أن "مخطط استمرار العمليات" الخاص بكل مؤسسة يوضح أفضل الطرق المؤدية إلى مكان الطوارئ. علاوة على ذلك، تشير المخططات إلى ما ينبغي على الأشخاص الذين يتم ترحيلهم حمله (المواد الموصى بها: قفل، مشعل كهربائي، فوطتان، صندوق صغير من مسحوق التنظيف). غير أن ثمة أسئلة تفرض نفسها في هذا السياق: هل يرمي تمرين من هذا القبيل، أُعلن عنه مسبقاً، إلى إعادة خلق أجواء التوتر والخوف من أزمة حقيقية؟ وكيف لنا أن نحاكي تجربة قيادة السيارات عبر شوارع ملتهبة ومصابة بالإشعاعات ومليئة بالخوف إلى مخابئ الطوارئ التي تبعد بعدة أميال عن المدن؟ كما أشارت إلى ذلك وزارة الطاقة في تقرير حول "التحدي الأمامي 04"، "ينبغي وضع طريقة لاختبار قدرة المكاتب الفيدرالية على الانتقال بشكل واقعي إلى مواقع "مخططات مواصلة العمليات" التابعة لها باستعمال سيناريو يحاكي التحديات والمشاكل التي ستكون مطروحة أثناء عملية إخلاء المدينة". الأكيد أن تمرين "التحدي الأمامي" سيُقَدم على أنه نجاح باهر، وسيعلن المسؤولون أن مشروع "استمرار الحكومة" مشروع معقول. وبالتالي، فستكون ثمة دروس يجب استخلاصها ستبرر رصد المزيد من الملايين من الدولارات وبذل المزيد من الجهود. ــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"