بوادر عودة العنف في "الضواحي"... ومقاربة غربية جديدة للملف الإيراني عودة التوتر إلى بعض الضواحي الباريسية، وتطورات الرؤية الغربية لحل أزمة النووي الإيراني، وعودة عناصر "طالبان" لتأجيج العنف، موضوعات ثلاثة، نستعرضها في جولة سريعة في افتتاحيات وعناوين الصحافة الفرنسية. أوجاع فرنسية... بالجملة: "أنا عمدة منطقة مونت فورماي، أؤكد أنني كنت دائماً أحلم بخدمة تطلعات أبناء ضاحيتي، وذلك لمعرفتي العميقة بتاريخ بلادي فرنسا، وهو تاريخ أعتقد جازماً بأنه يكتب الآن من جديد في الضواحي"، بهذه العبارة افتتح كزافييه لوموان عمدة الضاحية الباريسية المذكورة مقالاً غاضباً نشره في صحيفة لوفيغارو قبل يومين بمناسبة تجدد أعمال العنف في ضواحي منطقة سان- سين- ديني، التي عرفت أعمال عنف صاخبة في شهر نوفمبر الماضي. وجاء المقال تحت عنوان ملفت: "عندما يشعل الإرهاب الثقافي نيران الضواحي"! لا جديد إذن تحت الشمس، فضواحي كليشي- سو- بوا، ومونت فورماي، وغيرهما عاودها دبيب التظاهر وإحراق السيارات، وأعمدة الدخان، وبدأت الشرطة تجمع صفوفها استعداداً لـ"الحرب على الشبان". ويرى "لوموان" أن سبب كل ذلك معروف، وهو بالتحديد شعبوية ثقافة يسارية ماركسية متفشية في الشارع الفرنسي، وهي التي يجيِّش السياسيون الوصوليون المتسلقون على جنباتها غضب فتيان الضواحي ويستغلون حرمانهم بانتهازية ولاأخلاقية باتت في الواقع تهدد مستقبل الجمهورية. وكما يمكن أن نتوقع يأتي الرد مسبقاً من اليسار الماركسي على مثل هذه المزاعم، حيث نشرت صحيفة لومانيتيه، الناطقة باسم الحزب الشيوعي الفرنسي، افتتاحية كتبها رئيس التحرير جان بول بييرو، بعنوان: "اللامسؤولية في الحكم"، أكد فيها أن مشاهد أعمال العنف في الضاحية تفضح، بديكور الهشيم المتناثر، والعبثي، لا مسؤولية اليمين الحاكم، وعجزه المطبق عن إنتاج استجابة مناسبة للمصاعب الاجتماعية في الضواحي، وبدلاً من البحث عن حلول تصر الحكومة على وضع العربة أمام الحصان، بشكل دائم. وزاد الطين بلة ما اتخذته السلطات البلدية مؤخراً من قرارات تمييزية ضد الشبان كمنع التجمع لأكثر من ثلاثة فتيان في الشارع، ومنع من هم دون سن السادسة عشرة من الخروج دون مرافق بعد الثامنة مساءً، إلى آخر ما هنالك من قرارات قمعية، ومن استفزاز متكرر من قبل الشرطة. ويؤكد بييرو أن الحكومة على رغم عدم بخلها في إطلاق الوعود والشتائم منذ أحداث نوفمبر الماضي، إلا أن عجزها عن إيجاد حلول اجتماعية بات أوضح من أن يبرهن عليه. أما في صحيفة ليبراسيون فقد كتب "آلان ديهامل" مقالاً بعنوان: "فشل فرنسي"، استنتج فيه أن ما تعانيه فرنسا الآن تتويج لإخفاقات تاريخية بدأت منذ سقوط وهم كونها أقوى دولة عسكرياً في العالم كما كانت تعتقد بين الحربين العالميتين. وسقوط وهم الإمبراطورية الكولونيالية في الخمسينيات. وسقوط وهم "الزعامة الأوروبية" في استفتاء الدستور. ويخشى أن يكون تنامي المصاعب الآن مقدمة لسقوط وهم آخر، لنقلْْ نحن مثلاً: الجمهورية الخامسة. وفي عدد مجلة لونوفل أوبسرفاتور لهذا الأسبوع لا نعدَم أيضاً هذه الرؤية التشاؤمية، حيث خصص ملف العدد لموضوع: "الرئاسيات: لوبن من جديد إلى الدور الثاني"، في إشارة إلى نتائج الاستطلاعات الحالية. حرب أم حوار: بهذا السؤال عنونت جريدة لوموند افتتاحية خصصتها لآخر تطورات الملف النووي الإيراني، وفيها يرى الكاتب أن تفكيك مفردات وتعقيدات المعادلة الصعبة القائمة بين واشنطن وطهران ربما يكون مفيداً في فهم خريطة طريق كل منهما لإدارة الأزمة ولتعظيم المكاسب فيها. فإيران تعرف جيداً أنها محاطة بحربين أميركيتين في العراق وأفغانستان، وتعي أيضاً أن لديها من أوراق الضغط ما تستطيع إلحاق الأذى من خلاله بواشنطن، ولكنها مع ذلك تعرف ثمن المواجهة مع القوة العظمى الوحيدة، خاصة إذا كانت هذه القوة مستفَزة بما فيه الكفاية، وفاقدة للصبر بشكل حاسم. أما الأميركيون فيعرفون هم أيضاً أنهم مرغمون على التعايش مع دولة مما يعتبرونها "محور الشر"، تفرض عليهم الظروف اقتسام نفس الحلفاء معها في العراق من شيعة وأكراد وغيرهما. ولذا تقول لوموند فإن إعلان الأميركيين الآن عن استعدادهم للاشتراك في المفاوضات مع طهران حول ملفها النووي يأتي إنضاجاً للمواقف، وفتحاً لمستوى جديد من مستويات البحث عن حل للأزمة. غير أن الحوار الأميركي- الإيراني له سوابق غير مشجعة، فقد أعلن السفير الأميركي في بغداد قبل أشهر عن فتح قنوات اتصال مع طهران حول الملف العراقي، ولكن لم يتحقق شيء. فهل يؤدي اشتراك واشنطن الآن في الجهد الدبلوماسي مع طهران إلى نتائج مشابهة، أي إلى تعقيد الموقف، وابتعاد فرص الحل، ومن ثم اقتراب فرص الحرب؟ الأرجح انه مثلما ولد "الحوار" حول العراق ميتاً، فإن "الحوار" حول الملف النووي لا يبدو أفضل حظوظاً، على أن جميع الأطراف ستكون خاسرة في النهاية، من أميركيين، وإيرانيين، وطبعاً عراقيين. وفي سياق متصل كتبت بولين لوسوي في مجلة الأكسبريس، مقالاً تحت عنوان دال: "حوار طرشان... ولكنه مع ذلك حوار!"، ذهبت فيه إلى أنه لا حل آخر سوى تفعيل الدبلوماسية الدولية، والعمل على إيجاد نقاط التقاء تطمئن النظام الإيراني بأنه لا أحد يسعى لإسقاطه، وتضمن في الوقت نفسه صيانة الشرعية الدولية ومبدأ عدم الانتشار النووي، خاصة أن المقاربة الأميركية الجديدة بالمبادرة بفتح قناة حوار مع الطرف الآخر مشجعة، وتستحق من طهران استجابة أخرى غير قبول شكلي لمبدأ الحوار ورفض قاطع لشروطه، ومضمونه. وفي صحيفة لوفيغارو كتب نائب رئيس التحرير بيير روسلين مقالاً تحليلياً ينطق عنوانه بكل شيء: "في مواجهة التحدي النووي الإيراني: الغرب يكتسب استراتيجية جديدة". أما الاستراتيجية نفسها فيبسطها بالتفصيل يوشكا فيشر وزير الخارجية الألماني السابق في مقال نشر بنفس العدد تحت عنوان: "إيران... الفرصة الأخيرة"، وهي تشمل آخر المقترحات الأوروبية معززة بالمبادرة الأميركية. عودة خطر "طالبان": الهجمات التي شنها عناصر حركة "طالبان" الأفغانية على الجيش الأفغاني والقوات الدولية وحالة الاحتقان الشامل في أفغانستان، كانت موضوع مقال لجاك أمالريك في صحيفة ليبراسيون. الكاتب عنون مقاله التحليلي "حرب أفغانستان الثانية"، وفيه يتساءل ابتداءً: "أفغانستان.. هل هي الآن سائرة على طريق العرقنة؟ هذا هو السؤال الذي طالما تهربت الولايات المتحدة والأوروبيون من مواجهته"، ولكن السؤال –يقول أمالريك- بات الآن يجيب على نفسه، فتكتيكات المقاتلين في العراق من سيارات مفخخة وتفجيرات انتحارية وتفخيخ وألغام على الطرق العامة، كلها أصبحت تتكرر بشكل يومي في عموم أفغانستان بما في ذلك كابول العاصمة، التي كانت وحدها تنعم باستقرار نسبي. وفيما يخص الحكومة الأفغانية، التي لم تكن فاعليتها تتجاوز العاصمة يوم كان البعض يصف رئيسها بسخرية بأنه "عمدة كابول"، فقد أصبحت –يقول الكاتب- فاعليتها المحدودة أصلاً محل شك، إلى حد أن حادث سير عادي أدى إلى إعلان حالة الطوارئ وحظر التجول في العاصمة مدة شهر. أما كبير المراسلين في صحيفة لوفيغارو أدريان جولمس فقد كتب مقالاً عن عودة عنف "طالبان" بقوة، محملاً أجهزة استخبارات دولة مجاورة المسؤولية عن ذلك، خاصة أن تلك الأجهزة لم تعد مستعدة لفقدان ما تعتبره عمقها الاستراتيجي الوحيد في أفغانستان. إعداد: حسن ولد المختار