تجتاز واحدة من أهم العلاقات التي نسجت في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر فترة اختبار حقيقية هذه الأيام، ونعني العلاقة بين باكستان والولايات المتحدة. وقد جاءت آخر حلقة في مسلسل التشنج بين واشنطن وإسلام أباد الأسبوع الماضي بعد أن طالب أعضاء في الكونغرس الأميركي باكستان بالحصول على المزيد من المعلومات من العالم النووي الباكستاني عبدالقادر خان، زاعمين أنه قد تكون لديه معلومات حول بعض أسرار إيران النووية. غير أن إسلام أباد أغلقت رسمياً، في مايو الماضي، استجواب "خان"، الذي يوجد رهن الإقامة الجبرية. فيما أعلن عدد من المسؤولين الباكستانيين أنهم قدموا لواشنطن جميع التفاصيل التي استطاعوا الحصول عليها منه. وقال عضو الكونغرس "الجمهوري" إدوارد آر. رويس في كلمة له في جلسة استماع لـ"لجنة الإرهاب الدولي والانتشار": "يتساءل البعض عما إن كانت شبكة عبدالقادر خان قد توقفت فعلاً عن نشاطها أم أن الأمر يتعلق فقط بسبات لبعض الوقت. والحقيقة أنه من الغباء استبعاد هذه الإمكانية"، مضيفاً "ينبغي التزام الحذر وزيادة الضغوط الدولية على باكستان". غير أن اللهجة الشديدة تقتصر على الكونغرس فقط، ما يبعث على الاعتقاد بأن البيت الأبيض قد يكون واعياً بالمطالب الكثيرة الموجهة إلى الرئيس الباكستاني برويز مشرف، ومن ذلك ضرورة ملاحقة المشتبه في صلتهم بتنظيم "القاعدة"، ووضع حد للهجمات التي تنفذ في أفغانستان انطلاقاً من الحدود الباكستانية، وتطوير إدارة جيدة للبلاد بهدف التصدي للتطرف الديني. ولذلك، يرى بعض المحللين أن مطلب الوصول إلى "خان" يهدد بالدفع بعلاقة هشة أصلاً إلى مرحلة تشنج، هذا في وقت تشهد فيه العلاقات الباكستانية الإيرانية دفئاً متزايداً. وفي هذا السياق، يقول حسن أسكاري ريزفي، المتخصص في شؤون الدفاع بلاهور الباكستانية: "حتى في حال تمكنت الولايات المتحدة من الوصول إلى خان، فربما لن يستطيع تقديم معلومات عن إيران. ثم إن خان لم يزرْ يوما ما إيران"، مضيفاً "أما في حال اختارت الولايات المتحدة أن تمارس ضغوطاً على باكستان، فربما لن تحصل على المعلومات التي تريدها. ولذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن تحدد أولوياتها". والواقع أن استجواب "خان" يمثل رغبة أميركية لم تحققها إسلام أباد، حيث كانت تضطر واشنطن دائماً إلى المرور عبر الجيش الباكستاني للحصول عن معلومات بخصوص "خان"، الذي يحظى بالتقدير ويعد بطلاً قومياً في أعين العديد من الباكستانيين. وهو ما يعتبره البعض أصل المشكلة، على اعتبار أن الرجل لم يتعرض لما يكفي من الضغوط. غير أن السلطات الباكستانية رفضت مطالب الكونغرس، وأوضحت أنها لن تتخلى عن عبدالقدير خان. وفي هذا السياق، يقول الجنرال شوكت سلطان، المتحدث باسم الجيش الباكستاني: "إن الحكومة الباكستانية لن تسمح باستجواب مباشر لخان". ومن جانبه، قال وزير خارجية باكستان خورشيد كاسوري مؤخراً في جلسة للبرلمان إن باكستان "لن تقبل بإملاءات من أي كان بخصوص مصالحنا الوطنية". وقد رأى البعض قلقاً مزدوجاً في هذا التصريح، ذلك أنه بعد الإدلاء به بقليل، كان كاسوري ورئيس الوزراء شوكت عزيز منشغلين بالترحيب بوزير الخارجية الإيراني، الذي قدم إلى إسلام أباد وفي جعبته مشاريع بناء أنبوب غاز تبلغ قيمته 7 مليارات دولار. ومن المؤشرات الأخرى على توطيد العلاقات بين البلدين الجارين: - مشروع إنشاء شركة استثمار مشتركة بهدف تشجيع التجارة الثنائية بغلاف مالي يناهز مليار دولار. - تصديق البرلمان الإيراني على اتفاقية تجارة تفضيلية ثنائية. - إنشاء مركز إيراني لصنع الأطراف الاصطناعية لفائدة ضحايا الزلزال. - معارضة باكستان لخيار عسكري في الجدل حول الملف النووي الإيراني. وتعرف علاقات واشنطن بإسلام أباد توتراً كبيراً في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها تصاعد الهجمات التي يشنها عناصر "طالبان". وفي هذا الإطار، قال الكولونيل كريس فيرنون، قائد القوات البريطانية في جنوب أفغانستان، لصحيفة "ذا غارديان" في مايو: "إن مكان التخطيط بالنسبة لطالبان يوجد خارج كويتا في باكستان. إنه المقر الكبير حيث يديرون سلسلة من الشبكات في أفغانستان". ومما ساهم أيضاً في تلبد سماء العلاقات بين إسلام أباد وواشنطن بالغيوم الرعاية التي شملت بها هذه الأخيرة غريم باكستان التقليدي الهند، حيث عرضت الولايات المتحدة صفقة نووية مدنية على الهند في حين رفضت القيام بالمثل مع باكستان. كل هذه العوامل مجتمعة أدت إذن إلى تشنج العلاقات الثنائية، التي يرى بعض المحللين أنها وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ الحادي عشر من سبتمبر. وفي هذا السياق، كتب الصحافي المعروف أحمد رشيد في عدد أخير من صحيفة "ذا ديلي تايمز" الباكستانية: "إن العلاقات بين البلدين لم تكن بهذا الضعف منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر". وبالنسبة للمحللين من أمثال رشيد، فإن المطالب الأميركية بخصوص "خان" لن تجد آذاناً صاغية في إسلام أباد، خصوصاً وأن هذه الأخيرة توجد في مزاج سيئ لا يسمح لها بأن تسدي أية خدمات لواشنطن أو تهدد بعلاقاتها مع طهران. غير أن آخرين ينظرون إلى الأمر من منظار مختلف، معتبرين أن وجهات النظر التي عُبر عنها مؤخراً في الكونغرس لا تعكس بالضرورة وجهات نظر إدارة بوش. وفي هذا الإطار، يقول الجنرال المتقاعد والمحلل السياسي بإسلام أباد طلعت مسعود: "إن الإدارة الأميركية والبنتاغون يفهمان جيداً حدود ما تستطيع باكستان فعله، أما الكونغرس فلا يفهم ذلك"، مضيفاً أنه لما كان الكونغرس يتأثر أكثر بالرأي العام، فإن توقعاته تكون غير واقعية أحياناً ومن شأنها تهديد العلاقات مع باكستان. ديفيد مونتيرو ـــــــــــــــــــ مراسل "كريستيان ساينس مونيتور" في إسلام أباد ــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع "كريستيان ساينس مونيتور"