نعرض هنا هذا الكتاب, الصادرة للتو حول أكثر القضايا البيئية سخونة وأهمية, التي تسيطر على المؤتمرات ومؤسسات البحث العلمي الأكاديمي, فضلاً عن تصدرها للسياسات الداخلية والإقليمية والعالمية لكافة الدول والحكومات والمنظمات الدولية. وتنبع أهمية الكتاب من كونه مرجعاً كلاسيكياً في علم البيئة, ومن ريادته في نشر الوعي البيئي, الذي تحولت بموجبه البيئة نفسها إلى قضية محورية في السياسات والعلاقات الدولية المعاصرة, وفي الاقتصاد السياسي وغيرهما. وقياساً إلى الكثير من الكتب والدراسات البيئية المتداولة اليوم في معارض وأسواق الكتب العالمية, لا يزال هذا المؤلف يحتفظ بتميزه وشمول موضوعاته ومنهجية البحث المستخدمة فيه. وعلى سبيل المثال, لم يكتفِ الكتاب بمجرد مناقشة القمة الدولية لعام 2002 عن التنمية المستدامة, من زواياها التاريخية والبيئية فحسب. بل مضى الكتاب خطوة أبعد على طريق شرح المفهوم في علاقته الوثيقة بتطور علم الاقتصاد السياسي المعاصر وانعكاسات الاهتمام البيئي عليه. فاستدامة التنمية لها صلة بالتخطيط الاقتصادي التنموي البعيد المدى, الهادف لتلبية حاجات البشرية في مختلف الدول والبلدان على مستوى المستقبل البعيد غير المنظور. ولكن تخطيطاً كهذا لن يتحقق أصلاً دون الأخذ في الاعتبار بأهمية الحفاظ على الموارد الطبيعية نفسها وعلى النظم البيئية البرية والمائية والجوية التي تعد مصدر كل الخيرات التي تعيش عليها المجتمعات البشرية. وهكذا فلا سبيل إلى فهم الاقتصاد السياسي المعاصر, دون تشابكه مع علم البيئة واندغامه فيه. وهذا بحد ذاته إنجاز علمي معرفي كبير, تصعب نسبته إلى كتاب أو مؤلف واحد, غير أن لهذا الكتاب نصيباً وافراً منه في ترسيخ هذا الملمح البيئي للتنظير الحديث لعلم الاقتصاد السياسي ولمفهوم التنمية المستدامة. ثم يمضي الكتاب في استقصاء ودراسة ما أسفرت عنه تلك القمة الدولية المشار إليها آنفاً, وما حققته من نتائج ملموسة على أرض الواقع. ويلاحظ الباحثون المشاركون في تأليف الكتاب, أن القضايا الرئيسية المطروحة اليوم, سواء كانت التنمية المستدامة, أم معاهدة كيوتو وبروتوكولاتها الخاصة بالتغير المناخي, وظاهرتا الإحماء الشامل والاحتباس الحراري, والمواد العضوية الملوثة وغيرها, يستحيل التعامل معها على أنها اهتمامات بيئية مجردة وبعيدة عن تضارب المصالح السياسية والاجتماعية والاقتصادية, على مستوى الدول والحكومات والمجتمعات. وعلى صعيد انعكاس هذه القضايا على السياسات الأميركية كمثال, يقف المؤلفون مطولاً على مغزى خروج الولايات المتحدة الأميركية -في ظل الإدارة الحالية- عن معاهدة كيوتو وغيرها من الاتفاقات الدولية المعنية بصيانة الحياة كلها على كوكب الأرض. والملاحظ أن الولايات المتحدة هي من تولى زمام المبادرة وشق طريق العمل الجماعي الدولي في إبرام وتنفيذ مثل هذه الاتفاقيات ونصوص القانون الدولي ذات الصلة بمصلحة البشرية جمعاء, وصيانة الحياة في كوكب الأرض. وما الانحراف الذي حدث عن هذه القيم والمبادئ التي أرستها أميركا, سوى انعكاس للكيفية والمدى اللذين تؤثر بهما المصالح الاقتصادية والسياسية على قرارات وسياسات الدول والحكومات. ويستشهد المؤلفون في هذا بتخلف أميركا بوصفها الدولة العظمى الوحيدة في عالم ما بعد الحرب الباردة, عن كثير من الدول –من بينها دول نامية مثل البرازيل- في خفض انبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات المسببة لظاهرتي الإحماء الشامل والاحتباس الحراري المسببتين للتغير المناخي وتدمير البيئات البرية والبحرية والجوية على حد سواء. بل إن في خروج وانسلاخ واشنطن اليوم عن تلك المعاهدات, ما يفسر سياساتها الأحادية البيئية, وتحررها من أية التزامات تغل يد صناعاتها وشركاتها المعنية بالربحية على حساب أي شيء آخر. ومن باب ومفاهيم الاقتصاد السياسي المعاصر, يناقش المؤلفون العلاقة الوطيدة التي تربط بين أبرز مفاهيم العولمة والتجارة العالمية والبيئة. وفي ذلك أيضاً تناقض أميركي آخر, ما بين حمايتها وإغلاقها لسياساتها البيئية على نفسها من ناحية, ومطالبتها بفتح الأبواب مشرعة على مصاريعها, أمام تدفق رؤوس الأموال والسلع والأرباح إلى شتى الدول والأسواق العالمية من ناحية أخرى! فكيف السبيل للتوفيق ما بين الانغلاق على الذات, ودعوة الآخرين للانفتاح غير المحدود؟! من الواضح إذن أن للاهتمام البيئي أبعاده السياسية والآيديولوجية التي تعبر عن نفسها في اتخاذ القرارات وصنع السياسات في مختلف البلدان والدول. وضمن المناقشات التفصيلية المتخصصة, أفرد الكتاب مساحة مقدرة لتناول السياسات الخاصة بحماية الغابات ومواردها الطبيعية, وظاهرة تراجع وانحسار التنوع الحيوي في كل من البيئات المائية والبرية والجوية, نتيجة للاستخدام الجائر غير العقلاني لموارد النظم البيئية المختلفة. أما في تناوله لدور المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة والمنظمات الطوعية غير الحكومية, فالملاحظ تعويل المؤلفين على دورها وأهميتها في التصدي لأكثر المشكلات والقضايا التي تواجهها السياسات البيئية سخونة وتحدياً. وبما أن البيئة ظاهرة لا تنفصم عراها عن المصلحة العامة للبشرية قاطبة, فلابد من أن يلعب فيها العامل الدولي دوراً مهماً لا غنى عنه. والميزة الرئيسية لهذه المنظمات أنها تشكل منبراً لتجميع الأفكار والطاقات والموارد الدولية, المتجاوزة لحدود السياسات المحلية أو الإقليمية الضيقة, المعنية بصيانة وحماية البيئة, في حدود الحيز المحلي الإقليمي الضيق, الخاص بدولة ما. والملاحظة الأخيرة عن الكتاب, إسهامه في سك مصطلح "السياسات البيئية" كمفهوم حديث, يسد الفجوة المعرفية السابقة, ما بين الاقتصاد السياسي وعلمي السياسة والبيئة. عبد الجبار عبد الله الكتاب: السياسات البيئية العالمية تأليف: مجموعة من المؤلفين وتحرير باميلا إس. تشاسيك الناشر: مطبعة "ويست فيو" للنشر تاريخ النشر: 2006