تواصلت طيلة الأيام الماضية، التغطيات الصحفية حول "معركة" (الثانوية العامة) التي تبدأ غداً، وعلى قدر كثافة التغطيات الصحفية جاء التنوع، فهناك "وصفات سحرية" تتمحور حول التعامل مع ورقة الامتحان، وهناك نصائح من الجيل القديم الذي خاض المعركة وخرج منها رابحاً غانماً، أو بحدّ معقول من الأرباح، أو بالأدق من الدرجات، وهناك "روشتات" ليلة الامتحان، وهناك خطط طريق لفض الاشتباك الزمني الوشيك بين الامتحانات من جهة، ومباريات كأس العالم التي ستتقاطع لفترة من الوقت مع ليالي الامتحانات وهمومها وأولوياتها من جهة ثانية، وهناك نقاشات على الهامش حول جدوى الدروس الخصوصية، ومردودها ومشروعيتها وأسبابها وكيفية القضاء عليها. والمهم في هذا كله أن هناك إحساساً عاماً بالقلق والتوتر لدى الكثيرين، وتحديداً العائلات التي يخوض أبناؤها "معركة" (الثانوية العامة)، أو من ينتظرون خوضها في أعوام مقبلة، وهذا الإحساس ناجم بالأساس عن مركزية الدور الذي تلعبه أيام معدودات من الامتحانات في تحديد مستقبل ومصير الطالب، ما يجعل من التعامل مع هذه المرحلة مسألة حياة أو موت لدى الكثيرين، الأمر الذي يجعل أي حديث عن "الروشتات" والوصفات وهدوء الأعصاب وتجاهل الدروس الخصوصية نوعاً من العبث، أو رجع الصدى، أو الحرث في الماء، وبذل جهود "دونكوشوتية" في مقاومة ظواهر لا تقاوم. فوسط هموم وانشغال الكثيرين بالثانوية العامة، ذكرت أنباء قادمة من "هونج كونج"، أن جامعة العلوم والتكنولوجيا قبلت طالباً مخترعاً لا يتجاوز عمره الستة عشر ربيعاً للدراسة فيها قبل إنهائه مرحلة الثانوية، وقال رئيس الجامعة إنهم لم ينظروا إلى مستواه الأكاديمي وإنجازاته التعليمية، بل نظروا فقط إلى نضجه العقلي. وهذا الطالب العبقري حصل أيضاً من الاتحاد الدولي لعلوم الفلك على حق تسمية كوكب صغير باسمه، بعد أن فاز بالمرتبة الثانية في معرض دولي للعلوم بعد اختراعه لإنسان آلي. حالة هذا العبقري الصغير الذي أطلق اسمه على مساحة تتراوح بين ثلاثة وسبعة كليومترات في الفضاء، تدعو للتساؤل عن الاختبارات التقليدية، التي تمثل حالة صراع وتسابق على الحفظ والتلقين والمقدرة على تفريغ المعلومات، ثم إلقائها بعد ساعات الامتحان في أقرب سلة مهملات، فالجامعة التي اختارت هذا المخترع لنضجه العلمي، تدرك عدم جدوى الاختبارات التقليدية في الحكم عليه وعلى أمثاله من المبتكرين والموهوبين، الذين يتوه المئات منهم ويضلون طريقهم وسط زحام الاختبارات المدرسية وغياب البيئات التعليمية القادرة على الفرز الصحيح وتنمية المواهب والنوابغ وكشف القدرات العقلية والذهنية للطلاب وتوجيههم في سن مبكرة. هناك قلق عالمي ملحوظ حول مناهج التعليم، ومدى مواكبتها للتطور وأهليتها لتخريج أجيال تنافسية، وهذا تنافس محموم ومشروع في عالم تتسع فيه فرص العمل وتتسع معها التنافسية وتصبح المواهب البشرية وتعزيز المهارات الفردية في مختلف العلوم، هي الرافعة الاستراتيجية الوحيدة لضمان تحقيق قدرات تنموية أعلى للدول والأمم والشعوب، وأيضاً لضمان فرص عمل جيدة لأبناء الوطن وسط طوفان من التنافس لن يقتصر على العمالة الوافدة إلى الداخل، بل سيشمل ما يعرف بالتعهيد والعمالة العابرة لحدود الجغرافيا والقارات، وهي عمالة تقف دونها القوانين الحمائية عاجزة في أعتى دول الغرب المتقدمة، وبلوغ هذه المرحلة ودخول السباق لن يتأتى سوى عبر بوابة تطوير التعليم وتشجيع الإبداع والابتكار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية