في مشهد قصير في فيلم "حقائق غير مريحة" يبدو السيناتور آل جور وهو يقوم باستجواب "جيمس هانسن" عالم المناخ بوكالة "ناسا" الفضائية خلال جلسة سماع عقدت 1989. ولكن الفيلم لا يوضح السياق العام للموضوع برمته كما أنه لم يقل لنا شيئاً عما حدث لهانسن بعد ذلك وفي الحقيقة أن "هانسن" صاحب قصة تستحق أن تروى... لماذا؟ لسببين: الأول لأن هذه القصة تعتبر مثالاً على الطريقة التي تقوم بها جماعات الضغط بإثارة الشك حول موضوع ما، في الوقت الذي تكون فيه جميع الحقائق المتعلقة به واضحة، وتسيء إلى سمعة أشخاص في حين أن هؤلاء الأشخاص يجب أن يعاملوا كأبطال. علاوة على ذلك فإن تلك القصة تمثل تحذيراً لآل جور وغيره من النواب والأعضاء بالكونجرس، الذين يريدون تحويل موضوع الإحماء الحراري إلى قضية سياسية وهو أنهم يجب أن يتحلوا بالصلابة لأن الجانب الآخر لا يلعب وفقاً لأية قوانين معروفة. كان "هانسن" واحداً من أوائل علماء المناخ الذين قالوا علناً إن الإحماء الحراري كان قد بدأ بالفعل، بل وأدلى بشهادة حول ذلك أمام جلسة خاصة لمجلس الشيوخ الأميركي عام 1989. وقد احتلت هذه الشهادة في ذلك الوقت المانشيتات الرئيسية في الصحف نظراً لأهميتها حيث أوضح فيها بجلاء إن الانبعاثات الغازية التي تسبب ظاهرة الاحتباس الحراري قد تم رصدها وقياسها بواسطة أدوات القياس البيئي، وأنها بدأت في تغيير العالم الذي نعيش فيه. وعندما عاد "هانسن" وقدم شهادة أخرى بعد ذلك بعام، فإن المسؤولين في إدارة بوش الأولى، قاموا بتغيير بيانه المُعدْ للتقليل من أهمية التهديد. وفيلم آل جور يبين تلك اللحظة التي تكشف فيها تلاعب الإدارة. بعد أن أدلى "هانسن" بهذه الشهادة عام 1989 فإن شهادته كانت موضوعاً للمناقشة من قبل زملائه حيث أيدها البعض واعترض عليها البعض الآخر. ولكن الذي حدث بمرور السنوات، أن تلك الشهادة تأكدت صحتها واقعياً، وهو ما كان يوجب أن يتم تكريم "هانسين" لقدرته على التوقع، وتحديه للسائد، وشجاعته في إعلان رأيه. ولكن الذي حدث هو أنه بعد الشهادة التي أدلى بها "هانسن" عام 1989، بدأت شركات الطاقة في القيام بحملات لإلقاء ظلال من الشك حول موضوع الإحماء الحراري، على الرغم من الأدلة العديدة التي تثبت أنه يمثل خطراً حقيقياً. كان من أوائل من قاموا بتلك الحملة "باتريك مايكلز" الأستاذ بجامعة فرجينيا الذي تلقى دعماً مالياً ضخماً من شركات الطاقة، حيث ادعى في جلسة للشهادة أمام الكونجرس، وفي العديد من المحاضرات بعد ذلك، أن الوتيرة التي تمضي بها ظاهرة الإحماء الحراري أقل بكثير من الوتيرة التي ذكرها "هانسن". وفي معرض التدليل على صواب رأيه، وخطل رأي "هانسن" قدم "مايكلز" خريطة يُفترض أنها مصورة من ورقة بحثيه كتبها "هانسن" وآخرون أظهرت منحنى لارتفاع درجة الحرارة أكثر حدة بكثير من المنحنى الذي قال "هانسن" إن الإحماء الحراري يتم به في الواقع. وفي الحقيقة أن الخريطة التي قدمها "مايكلز" كانت مزورة. فالورقة الأصلية التي كتبها "هانسن" كانت تتناول طائفة من الاحتمالات، وكانت تلك الخريطة على وجه التحديد توضح احتمالاً من ضمن تلك الاحتمالات، ولكنها لم تكن الخريطة التي استخدمها "هانسن" لبيان المنحنى البياني الذي تحدث به ظاهرة الإحماء الحراري في الكرة الأرضية. ولذا فإن بعض الخبراء في موضوع الإحماء الحراري يرون أن المحاولات الرامية لتلطيخ سمعة "هانسن" قد تكون علامة إيجابية، لأنها تظهر مدى الخواء والتهافت الفكري الذي وصلت إليه الحركة المناهضة لتحويل موضوع الإحماء الحراري إلى موضوع سياسي. ربما يكون ذلك قراءة خاطئة من جانب هؤلاء الخبراء لأن الحقيقة هي أن محاولات تلطيخ سمعة "هانسن" مستمرة منذ فترة طويلة، مما جعل الرجل يبذل محاولات مستمرة لتصحيح اللبس الذي يحاول البعض إثارته حوله. وعلى الرغم من كافة المحاولات التي بذلها، فإن الاتهام الخاص بأنه قد بالغ في توقعاته بخصوص انتشار ظاهرة الإحماء الحراري ومداها، ظل متداولاً بل إن الرجل أصبح هدفاً لسهام المزيد من المشككين في الظاهرة أصلاً بدءاً من "مايكل كريتشون" إلى "روبرت نوفاك". يمكن تشبيه ما حدث لـ"هانسن" في هذا السياق بما حدث للمرشح "الديمقراطي" جون كيري الذي خاض انتخابات الرئاسة الأخيرة ضد الرئيس جورج دبليو بوش. فـ"جون كيري"، وهو بطل حرب حقيقي وليس مزيفاً، لم يكن يتصور أن الآخرين يمكن أن ينجحوا في تصويره على أنه رجل جبان، وهو ما حدث بالفعل. نفس الشيء مع "هانسن" الرجل الذي كان الواقع العملي والاختبارات المختلفة قد دللا عن أن تنبؤاته عن الإحماء الحراري دقيقة للغاية. فهو أيضاً لم يكن يتصور أن الآخرين يمكن أن ينجحوا في تصويره في صورة الرجل المبالغ في توقعاته وعدم الدقيق من الناحية العملية. وفي الحقيقة أن رد فعله الأول على "مايكلز" كان مخففاً إلى درجة تبعث على الدهشة. فكل ما قاله حول هذا الأمر هو أن "مايكلز" لم يكن دقيقاً في النقل عنه أو لم يكن دقيقاً في الاستشهاد بتلك الخريطة، بدلاً من أن يشجب ما قام به الأخير ويصف ما قام به بأنه تزييف وتزوير للحقيقة. وحتى الآن، فإننا نجد أن "هانسن" يحجم عن الإعلان صراحة بأن ما قام به "مايكلز" يرقى إلى التزوير العلمي لا بل إنه سُئل مؤخراً عن ذلك فتساءل بنبرة المندهش إن كان ما قام به يرقى حقاً إلى مرتبة التزوير العلمي أم أنه مجرد تعدٍّ؟ في حين أن الإجابة الجلية على ذلك هي: نعم إن ما قام به ليس تعدياً بل هو تزوير بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. إن "هانسن" لن يرشح نفسه لمنصب الرئاسة، ولكن آل جور قد يفعل ذلك. وحتى إذا لم يفعل فإنه على الأقل سيسعى للتنبيه على مخاطر الإحماء الحراري على البيئة، وسيدعو إلى تحويله إلى موضوع سياسي. وإذا ما كان يريد ذلك حقاً فعليه إذن -هو ومن حوله- أن يتعلموا درساً من تجربة "هانسن" وهو: أن يقولوا للكاذب إنه كاذب... وفي وجهه مباشرة، دون لف أو دوران. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"