أعلن مسؤولون أميركيون وأوروبيون مقربون من إدارة الرئيس بوش يوم الجمعة الماضي عن وجود نقاش داخل الإدارة حول إمكانية تجاوز إحدى المحظورات التقليدية في السياسة الخارجية الأميركية والدخول في حوار مع إيران لتفادي الوصول إلى طريق مسدود بشأن البرنامج النووي الإيراني. وقد أكد المسؤولون الأوروبيون، الذين كانوا في تواصل دائم مع الإدارة الأميركية طيلة الأسابيع الأخيرة، بأن النقاش حول الموضوع ازداد حدة في الآونة الأخيرة بينما تعمل وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس مع نظرائها الأوروبيين على إقناع إيران بتعليق جهودها الرامية إلى تخصيب اليورانيوم. ولا يخفي المسؤولون الأوروبيون رغبتهم في دخول الولايات المتحدة في مباحثات مع إيران، على الأقل لإثبات أن الأميركيين قطعوا آخر ميل على طريق تسوية الأزمة وتجنب مواجهة بين الأطراف الدولية حول فرض العقوبات، أو استخدام القوة العسكرية. وترجع القطيعة الدبلوماسية بين طهران وواشنطن منذ اندلاع الثورة الإيرانية سنة 1979 وما تلاها من أزمة احتجاز الرهائن الأميركيين في شهر نوفمبر من نفس السنة، حيث امتنعت الولايات المتحدة إجراء أية مباحثات مع إيران طيلة تلك الفترة، رغم الاتصالات المتفرقة التي جرت بين الطرفين خلال حرب أفغانستان، وفي المراحل الأولى للحرب على العراق، فضلاً عن تجدد الاتصالات خلال الزلزال الذي ضرب إيران في أواخر 2003. وإزاء الأزمة الحالية المرتبطة بالملف النووي الإيراني يقول المسؤولون الأوروبيون إن "رايس" بدأت فعلا التفكير في مناقشة موضوع المفاوضات مع كبار المساعدين في وزارة الخارجية. لكنها تعتقد مع ذلك بأن المسألة تعود في النهاية إلى "مجلس الأمن القومي"، سواء تعثر موضوع المفاوضات، أو حقق بعض التقدم. من جهة أخرى يفسر المسؤولون الذين يعرفون "رايس" جيداً مقاومتها لموضوع المفاوضات المباشرة مع إيران بعدم رغبتها في بعث رسائل خاطئة إلى طهران قد تفهم على أنها تراجع من الولايات المتحدة، ما قد يعرقل المفاوضات الدقيقة التي يجريها الاتحاد الأوروبي مع طهران. وتخشى "رايس" أيضاً من أن ينتهي الأمر بالإدارة الأميركية إلى تقديم تنازلات كثيرة إلى إيران. وحسب المسؤولين الأميركيين مازال كل من الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني، ثم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد يعارضون إجراء مفاوضات مباشرة مع طهران حتى ولو جرت عبر قنوات غير رسمية، وهو ما يدفع العديد من المسؤولين الأوروبيين إلى استبعاد فكرة انطلاق مباحثات بين الطرفين في أي وقت قريب. ونظرا للحساسية السياسية التي يكتسيها موضوع المفاوضات مع إيران أحجم المسؤولون الأوروبيون الذين أثاروا في البداية مسألة وجود نقاش داخل الإدارة الأميركية حول إمكانية التباحث مع طهران الكشف عن هويتهم. ورغم امتناع المسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية عن إطلاق تصريحات حول الموضوع، فإن المتحدثين باسم الإدارة الأميركية كانوا حريصين على عدم نفي إجراء مباحثات نفياً قاطعاً. ولم تقتصر المناقشات حول احتمال بدء الولايات المتحدة لمفاوضات مع إيران على الأوروبيين، بل امتدت التخمينات أيضاً إلى مجموعة من المسؤولين السابقين من خارج الإدارة الأميركية. ولعل أهم تلك الأصوات ما كتبه وزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر في مقال نشرته "واشنطن بوست" أثار فيه قضية الرسالة التي وجهها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى الرئيس بوش، التي وصفتها رايس بأنها خطبة هجومية، معتبراً أنها فرصة سانحة لفتح قنوات الاتصال بين الطرفين. ويُضاف إلى كيسنجر كل من "ريتشارد هاس"، رئيس "مجلس العلاقات الخارجية" ومساعد سابق لوزير الخارجية كولن باول، و"ريتشارد أرميتاج"، نائب وزير الدفاع السابق اللذين أيدا إجراء مباحثات مع طهران. وفي هذا السياق قال "أرميتاج" خلال محادثة معه عبر الهاتف "الدبلوماسية هي أكثر من مجرد التحدث إلى الأصدقاء، بل عليك التحدث أيضاً إلى غير الأصدقاء، أو حتى الأشخاص الذين لا تحبهم. وإذا كان بعض المسؤولين في الإدارة يعتقدون بأن الدبلوماسية هي علامة ضعف، فهي أيضا علامة قوة". ويذكر أن الولايات المتحدة ظلت بعيدة عن المباحثات مع طهران التي بدأت في أواخر 2004 واستأنفت مجدداً في الصيف الماضي بدعم أميركي، حيث تقدم الأوروبيون بعرض جديد إلى إيران يقوم على إدماجها سياسياً واقتصادياً مع الغرب في حال تخليها عن برنامجها النووي. ولم تخل المفاوضات أيضاً من تقديم الأوروبيين لضمانات أمنية إلى النظام الإيراني يتعهد بموجبه الغرب بعدم المساس بالنظام أو السعي إلى الإطاحة به. وبعد تعثر جولة المفاوضات يعمل حالياً كل من الأوروبيين والولايات المتحدة، فضلاً عن الصين وروسيا على صياغة حزمة معدلة من الحوافز الاقتصادية والسياسية، علاوة على امتيازات تتعلق بالطاقة النووية إذا ما أوقفت طهران برنامج تخصيب اليورانيوم. وفي الوقت نفسه تبحث كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كيفية الوصول إلى اتفاق يحيل إيران إلى مجلس الأمن إذا ما واصلت تحديها لمطالب المجتمع الدولي بشأن ملفها النووي. ومن بين الدبلوماسيين الأوروبيين الذين حثوا كوندليزا رايس على التفكير في إجراء مباحثات مباشرة مع طهران يبرز وزير الخارجية الألماني "فراند والتر شتينمير"، ومنسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي "خافيير سولانا". كما أثارت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" خلال زيارتها الأخيرة إلى واشنطن الموضوع ذاته مع الرئيس بوش. ولعله من الأسباب الأساسية التي تدعو بعض المسؤولين الأميركيين إلى إبداء تحفظهم من الدخول في مفاوضات مباشرة مع إيران هو عدم تأكدهم من استجابة طهران نفسها إلى تلك الدعوات. وفي هذا الإطار تسعى الإدارة الأميركية إلى تجنب ما أمكن احتمال رفض طهران للتفاوض مع الولايات المتحدة حتى ولو كان عبر قنوات غير رسمية، لا سيما في ظل الحرج الذي تواجهه الإدارة الأميركية حالياً مع تذبذب الموقف الإيراني إزاء المباحثات التي وافقت عليها كوندليزا رايس العام الماضي حول العراق. ستيفن وايزمان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محرر الشؤون الخارجية في "نيويورك تايمز" ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"