في تقديري أن الحصاد السياسي الأهم في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عُقد في شرم الشيخ هذا الأسبوع، يتعلق بمسار التسوية للقضية الفلسطينية من جانب، وبإيقاع الإصلاح الديمقراطي المصري من جانب آخر. في القضية الأولى يمكننا رصد المؤشرات التالية التي أسفرت عنها اللقاءات التي عقدها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مع الوفد الإسرائيلي الذي ضم كلاً من شمعون بيريز نائب رئيس الوزراء وتسيفي ليفني وزيرة الخارجية. أولاً: لقد حدد الرئيس الفلسطيني مطلبه الأكبر في ضرورة إنهاء حالة المقاطعة الإسرائيلية لعملية التفاوض، وبالتالي طالب باستئناف التفاوض معه بصفته رئيساً لمنظمة التحرير من أجل إنهاء الصراع على أساس "خريطة الطريق"، متعهداً بعرض النتائج على الشعب الفلسطيني في استفتاء شعبي. ثانياً: جاءت الاستجابة الإسرائيلية من شقين على لسان بيريز وليفني: الشق الأول هو شق الترحيب بمواصلة اللقاءات مع الرئيس الفلسطيني والإعراب عن استعداد أولمرت للقائه، وإن كان وزيرة الخارجية قد أشارت إلى الحاجة للقيام بمزيد من التحضير للقاء القمة الإسرائيلية- الفلسطينية. إن هذه الإشارة تحمل أكثر من دلالة ستكشف عنها الأسابيع المقبلة بعد عودة أولمرت من رحلته إلى واشنطن، فمن الممكن أن تكون الدلالة تسويفاً إسرائيلياً ومماطلة في تحديد موعد الاجتماع، ويمكن أن يكون الهدف من الإشارة تكبيل أبومازن بعدد من الالتزامات كشرط لعقد هذه القمة. الشق الثاني من الاستجابة الإسرائيلية، تركز على مطالبة الرئيس الفلسطيني من جانب ليفني بأن تكون هناك خطوات إيجابية في شأن نبذ العنف، وأن تتحرك الحكومة الفلسطينية بقيادة "حماس" باتجاه السلام وباتجاه الاعتراف بإسرائيل والإقرار بالاتفاقات بين الجانبين. وهذا الشق من الاستجابة الإسرائيلية يشير إلى نوع الشروط التي سيعمل الإسرائيليون على إملائها على الجانب الفلسطيني قبل العودة إلى مائدة المفاوضات. ثالثاً: طرح الطرف الإسرائيلي معادلة عسيرة التنفيذ لغموضها، بشأن الوضع الاقتصادي والإنساني في مناطق السلطة الفلسطينية. فلقد قالت ليفني إن الحكومة الإسرائيلية تريد مساعدة الشعب الفلسطيني اقتصادياً ولا تريد معاقبته على تصويته في الانتخابات، ولكن هناك أيضاً حاجة إلى عدم إضفاء الشرعية على حكومة "حماس" لأنها منظمة إرهابية. إن هذه المعادلة الغامضة على لسان وزيرة الخارجية، التي تبدو مثل اللغز الذي لا حلّ له، قد وجدت حلها على لسان شمعون بيريز عندما استبعد "حماس" من العملية السياسية عندما قال إن محمود عباس ربما يكتسب القوة اللازمة لإبرام اتفاق مع إسرائيل بمعزل عن "حماس"، وإذا ما استطاع أن يكون مسؤولاً عن ذلك فإن هذا الأمر سيكون له مغزى كبير. الحصاد السياسي إذن في القضية الفلسطينية يمكن تلخيصه في عبارة تقول، إن هناك غزلاً إسرائيلياً للرئيس الفلسطيني ودفعاً له لعزل حكومة "حماس" عن العملية التفاوضية دون أي التزام إسرائيلي واضح المعالم في المقابل سوى التلويح بجزرة اللقاء مع أولمرت، وبالنوايا الطيبة اللفظية تجاه الأزمة الاقتصادية والإنسانية التي فرضتها إسرائيل والولايات المتحدة معاً على الشعب الفلسطيني. في القضية الثانية المتصلة بإيقاع الإصلاح الديمقراطي المصري يمكننا رصد المؤشرات التالية الصادرة عن منتدى شرم الشيخ: أولاً: الموقف الذي حدده الرئيس مبارك في خطابه الافتتاحي للمنتدى، يقرر تبني منهج في الإصلاح يقوم على التدرج، يحاذر من الطفرات المتسارعة وتعجل النتائج تجنباً لحدوث الفوضى. وهذا المؤشر على مفهوم التدرج يزداد وضوحاً في ضوء عبارة مبارك التي قال فيها.. إن طريقاً طويلاً لا يزال أمام المنطقة لمواصلة بناء ديمقراطيتها. ثانياً: الموقف الذي عبر عنه رئيس الوزراء المصري د. نظيف، الذي أوضح فيه أن الحكومة ليست في عجلة لتغيير النظام السياسي وإن التغيير سيستغرق أعواماً وإن نجاح الإسلاميين في البرلمان سواء في مصر أو العراق أو فلسطين، أمر يدعو إلى إعادة النظر في الحسابات الحكومية. وفي تقدير المراقبين أن هذين الموقفين يشيران إلى إيقاع ديمقراطي أقل اندفاعاً وتسارعاً من العام الماضي.