عاشت سوق الأسهم المحلية خلال السنوات الثلاث الأخيرة عصرها الذهبي، فكانت بمنزلة "البقرة الحلوب" لشريحة متنامية من السكان، حتى أن استطلاعات الرأي التي كانت تجريها بعض الصحف المحلية تشير إلى أن أكثر من ثلثي موظفي الدولة من المواطنين يتعاملون في الاتجار في الأسهم بجانب وظائفهم الحكومية، فأضحت بذلك الأسهم مصدراً للثراء السهل والسريع، بل وأضحت ثقافة اجتماعية جديدة دخلت كل البيوت وغزت كل الأندية والمكاتب والمقاهي، حتى صار الحديث حول الأسهم الموضوع الرئيسي في المجالس والمنتديات. وفي ظل هذه النشوة، طرحنا للمواطنين سلسلة الاكتتابات الجديدة، ليتنافسوا عليها، صغاراً وكباراً، وخفافاً وثقالاً، ولكننا نسينا أو تناسينا أن نقول لهم كيف يستثمرون! الكل كان يتحدث عن الطفرة والازدهار والنمو والأرباح القياسية، ولا أحد لديه استعداد بأن يسمع خلاف هذه المصطلحات، بل ولم تتسع العقول حينها للعديد من الأسئلة الجوهرية من أمثال "لماذا؟" و"إلى متى؟"، والتي كانت تحاول بإلحاح أن تقحم نفسها، حتى ذهب هذا الزخم كله أدراج الرياح، فغيّب معه هذه المصطلحات جميعها من لغة السوق، من دون أن يعرف أحد حتى الآن وعلى وجه الدقة سبب تلك الطفرة أو مبررات ذلك النمو أو حدود هذا الازدهار. والآن نتحوّل إلى الوجه الآخر من العملة، حيث يتحدث الجميع وبصوت واحد عن الأزمة والانهيار والتراجع التصحيحي والخسائر القياسية والنزيف والاستنزاف، والكل يطرح الحلول ويقدّم المقترحات، ولكن في هذه المرة أيضاً ليس لدى أحد استعداد أن يسمع غير نفسه، فضاعت بذلك وفي زحمة المهرجان الخطابي القائم حالياً على النقد ونقد النقد وطرح الحلول، معالجات مهمّة طرحها بعض فقهاء الأسهم، كان يمكن إثراؤها بالنقاش البنّاء حتى يمكن الخروج منها بأدوية شافية لأمراض السوق المتعدّدة، ومنها هشاشة البنية التشريعية والرقابية التي تحكم هذه السوق، وافتقار الجهات الإشرافية والرقابية للأدوات التي تمكّنها من لعب دورها على النحو المطلوب، وضبط العديد من الظواهر السلبية، التي من بينها تدنّي مستويات الإفصاح والشفافية، واحتكار المعلومات، وغلبة طابع المضاربة على تعاملات السوق، وضعف الوعي الاستثماري لدى العديد من المستثمرين، ما يجعل شريحة كبيرة من المتعاملين، خاصة صغار المستثمرين، سريعة التأثر بالشائعات والانطباعات الشخصية عند اتخاذها لقرارات البيع أو الشراء، في ظل محدودية الدور الذي يقوم به الوسطاء. كما تعاني السوق المحلية كذلك تركّز التداول على أسهم شركات محدودة دون غيرها، حيث يشكّل التداول على أسهم خمس شركات فقط أكثر من 80% من حجم التداول الكلّي في السوق، ما يؤدي إلى عدم القدرة على تنويع الاستثمارات، كما أن هناك محدودية الأدوات الاستثمارية التي تتركز في أسهم الشركات العامة دون غيرها، وهناك أيضاً ارتفاع كلفة التمويل المصرفي، خاصة بالنسبة إلى الاكتتابات في أسهم الشركات الجديدة. كما تعاني أسواق الأسهم المحلية محدودية الاستثمار المؤسسي، واعتمادها بصورة أساسية على الاستثمارات الفردية، رغم أن الاستثمار المؤسسي يسهم في استقرار الأسواق المالية بصورة عامة، باعتبار أن أغلب توجّهات استثماراته طويلة الأجل وكبيرة نسبياً، ومبنيّة على حسابات واقعية دقيقة. إن معالجة القضايا كحزمة متكاملة لا تقبل التجزئة، تؤدي في النهاية إلى هيئة إشرافية مهنية ومتمرسة، وشركات ذات عمق اقتصادي قوي، ومستويات شفافية عالية، ومؤسسات إعلامية اقتصادية تتمتع بمهنية عالية، ومستثمر واعٍ، وشركات وساطة متطوّرة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية