كما هو متوقع، فإن الأزمة الكويتية لن تحل إلا بحل الحكومة أو حل البرلمان، وقد اختار أمير البلاد حل البرلمان وحدد موعد الانتخابات القادمة، كما ينص الدستور، في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر. وكان من المؤكد أن رئيس الحكومة لن يصعد منصة الاستجواب، رغم أن الدستور الكويتي أعطى للنواب حق استجواب أعضاء الحكومة بمن فيهم رئيسها. الحكومة تراقب الوضع عن كثب وتحاول نزع فتيل الأزمة بطرق مختلفة، وأشيع حتى آخر لحظة قبل حل البرلمان أن سمو أمير البلاد سيتدخل في الوقت المناسب للحد من تصاعد حالة الاحتقان التي تشهدها الساحة الكويتية، وقد يكون ذلك من خلال تقديم مقترحات بديلة تحظى بإجماع من السلطة التشريعية. فسحب إحالة مشروع قانون الدوائر العشر إلى المحكمة الدستورية، ربما كان يمكن أن يوقف استجواب رئيس الحكومة، خصوصاً أن الإحالة يشوبها "اللبس"، حيث كان بمقدور الحكومة أن تدرس مقترحها قبل تقديمه للبرلمان لتحاشي أي شبهة دستورية، إلا أنه يبدو أن طلب الإحالة يقع ضمن خانة المماطلة، حيث للمحكمة الدستورية رؤيتها في تناول مثل هذه القضايا، وقد يستغرق الأمر وقتًا طويلاً، مما يعني الاستمرار في التقسيم الحالي للدوائر (25 دائرة) في انتخابات 2007. إقحام موضوع تنقيح الدستور المراد به تمييع إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية، إلا أن الأوضاع والمستجدات الجديدة تحتم النظر في الدستور، وخصوصاً في بعض مواده المتعلقة بزيادة أعضاء مجلس الأمة، حيث زاد عدد سكان الكويت ولم يعد بإمكان 50 نائباً التعبير عن القاعدة الانتخابية التي أصبحت تضم النساء اللواتي بدخولهن المعترك السياسي سيتضاعف عدد الناخبين. القوى السياسية الناضجة مع زيادة أعضاء المجلس إلا أنها تتخوف من فتح باب تعديل الدستور تخوفاً من أن يقود ذلك إلى تعديل مواد تمس الحريات العامة. الإسلاميون يرغبون في تغيير بعض مواد الدستور كي يتماشى مع الشريعة الإسلامية، بحيث يصبح الإسلام المصدر الأساسي للتشريع وليس مصدراً من مصادر التشريع كما هو معمول به حالياً. وفي ظل حالة الفوضى العامة، تتعرض البلاد لحالة هيجان قد تقحمنا في دهاليز مظلمة وصراعات من نوع آخر. حالة الصراع التي تشهدها الكويت حيوية، وهي امتداد لما تشهده الساحة السياسية العربية؛ ففي مصر هناك حالة هيجان يقودها القضاة هي الأولى من نوعها حيث لم تعتد الساحة السياسية العربية على دخول القضاة معترك السياسة، والحال نفسه في لبنان وسوريا، ويبدو أن المطالب الشعبية للتغيير آخذة في التصاعد، مما يؤكد أن العامة من الناس، وليس النخبة، باتت تواقة للتغيير وأنها سئمت أوضاعها المتهالكة. رئاسة مجلس الأمة الكويتي كان لها دور في التمهيد لحالة الاحتقان حيث إن إعادة تقسيم الدوائر لا تخدم مصالحها، وبالتالي لعبت الدور المعطل للتطوير. رئاسة المجلس لها سوابق في تاريخ النضال ضد الديمقراطية، ويبدو أن الرئاسة لها أجندتها الخاصة في العلاقة بين المال والسياسة. الملفت للانتباه أن الـ29 نائباً المطالبين بالدوائر الخمس يمثلون مختلف الأطياف السياسية، وهي أطياف غير متجانسة ولا نعرف إلى أي مدى تستطيع هذه الأطياف المتنافرة أن تحافظ على تماسكها أمام حيل الحكومة وقدرتها على المناورة، خصوصاً أنها تملك الكثير من أوراق اللعبة السياسية. الحكومة منقسمة على نفسها، وهي لا تملك رؤية ناضجة مما يجعلها عرضة للابتزاز السياسي، والقوى الليبرالية كذلك منقسمة على نفسها وحالها أسوأ من حال الحكومة، وهي لا تملك الشارع ولا تسيطر عليه، والرابح في هذه المعركة هو القوى الإسلامية المنظمة سياسياً والتي لديها أجندة خاصة بها وتعرف الطرق التي تسلكها وتعودت على البراجماتية لنيل مطالبها, فهي الرابحة في نهاية الطريق. حل البرلمان والدعوة لانتخابات، جديدة قد لا يحل الأزمة الكويتية، بل يبدو أن الكويت تعيش مخاض الديمقراطية وأنه لم يعد بالإمكان إرجاع العجلة إلى الوراء!