أثير خليجياً أواخر العام الماضي الحديث عن ضرورة إصدار قرار يقضي بتحديد مدة بقاء الأيدي العاملة في أي من دول المجلس بستة أعوام غير قابلة للتجديد، مما حدا بغرف التجارة والصناعة بدول المجلس لإبداء تحفظاتها على هذا القرار من خلال المذكرات التي نوقشت أثناء الاجتماع الأخير لهذه الغرف والذي عقد بأبوظبي بداية الشهر الجاري، حيث أشارت هذه المذكرات إلى الانعكاسات التي ستتمخض عن تطبيق قرار كهذا ومن ضمنها تأثيراته السلبية على خطوات جذب الاستثمارات والتكنولوجيا الأجنبية كما أشارت إلى ذلك غرفة تجارة وصناعة الكويت في مذكرتها. بداية لابد من الإشارة إلى أن هناك إشكالية كبيرة تتعلق بوجود هذا العدد الهائل من الأيدي العاملة الأجنبية في دول الخليج والتي ارتبطت في الآونة الأخيرة بالعديد من المطالب مدعومة في ذلك من قبل منظمات دولية معروفة، إلا أن أكثر ما يزعج هذه البلدان هو تلك القضية المتعلقة بالمواطنة للأفراد الذين أمضوا أكثر من ست سنوات. ومع أنه لا يوجد ما هو ملح في هذا الجانب، إلا أن هناك ضغوطاً تمارس من قبل مؤسسات عديدة، كما أن مثل تلك المطالب تطرح بين فترة وأخرى في الاجتماعات السنوية لمنظمة العمل الدولية. مقابل ذلك هناك متطلبات تنموية في دول المجلس لا يمكن تجاهلها، فبدون الأيدي العاملة الأجنبية لا يمكن الحديث عن تنمية في الوقت الحاضر على أقل تقدير، هذه حقيقة يجب مراعاتها عند اتخاذ أي قرار، خصوصاً وأن ازدياد معدلات النمو في السنوات الماضية أدى إلى استقدام المزيد من الأيدي العاملة إلى هذه البلدان. عدد كبير من الأيدي العاملة الأجنبية مدرب تدريباً جيداً ويملك مهارات عالية، حيث اكتسب معظمهم هذه المهارات من خلال العمل والتدريب في دول المجلس، إذ كلف ذلك الحكومات والقطاع الخاص على حد سواء الكثير من المال والجهد، وإن عدم التجديد لهذه الكفاءات بعد فترة وجيزة يعتبر خسارة كبيرة للاقتصادات الخليجية، اللهم إلا إذا كانت هناك مؤهلات خليجية قادرة على الحلول محل تلك المغادِرة. ما يؤكد صحة استنتاجنا السابق هو النقص الكبير في مهنتي التمريض ومصممي ومهندسي الآلات في دول المجلس، فالممرضون وبعد أن حصلوا على التدريب اللازم في دول المجلس تم استقطابهم من قبل البلدان الأوروبية تحت إغراءات وامتيازات جيدة، بما في ذلك التجنيس، حيث غادر المئات من الممرضين الأجانب دول المجلس خلال أشهر معدودة مخلفين نقصاً خطيراً في هذا المجال. بعد ذلك بفترة قصيرة حدث الشيء نفسه مع المهنيين العاملين في تصميم الآلات والمعدات الهندسية. إن تحديد الفترة الزمنية لبقاء الأيدي العاملة الأجنبية بست سنوات، لو اتخذ قرار بشأنه هو أمر لابد من دراسته بصورة وافية من الناحية الاقتصادية، ورغم ما يحمله في طياته من الأمنيات والعواطف، إلا أنه سيحول دول المجلس إلى حاضنة لتفريخ المؤهلات والكفاءات الأجنبية ومن ثم إعادتها للخارج بعد أن تكلفت عملية إعدادها مبالغ طائلة، علماً بأنه لم يتم خلالها تأهيل المواطنين الخليجيين لملء الفراغ، ما يعني استقدام عمالة أجنبية أخرى والبدء في تأهيلها من جديد مع تحمل التكاليف الباهظة ومن ثم ترحيلها للخارج بعد ست سنوات، وهكذا دواليك. بالتأكيد هناك خلل وضغوط دولية، إلا أن معالجة هذه الجوانب بحاجة لقرارات علمية ومدروسة، تساهم في المحافظة على النمو الاقتصادي وجذب المزيد من الاستثمارات والتكنولوجيا ولا تضر في الوقت نفسه بالأنشطة الاقتصادية، وبالأخص للقطاع الخاص الذي يلعب دوراً محورياً في التنمية، على أن يتم تأهيل المواطنين الخليجيين وإعدادهم جيداً لاكتساب المهارات، مع التركيز على تأهيل مئات الآلاف من الذين يتخرجون سنوياً من مختلف المدارس والكليات والجامعات والذين هم على استعداد للعمل، تلك القضية المهمة التي لابد من إعطائها الأهمية التي تستحقها، حيث يمكن للقطاع الخاص الخليجي المساهمة بفعالية في عملية الإعداد والتأهيل هذه. قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية، قضايا مُعقدة وشائكة تتطلب معالجتها الكثير من المهنية وعدم التسرع، فانعكاسات قرارات كهذه تكون مؤثرة بصورة كبيرة على سير التنمية الاقتصادية وتترتب عليها نتائج مهمة لابد من إدراكها ووضع البدائل لها ومعالجتها بما يخدم التطور الاقتصادي في دول المجلس. د. محمد العسومي