قرر ناخبو جمهورية الجبل الأسود، ذلك البلد الصغير من منطقة البلقان، في استفتاء يوم الأحد الماضي وضع حد لاتحادهم مع صربيا، وذلك وفق النتائج التي كشفت عنها منظمتان مستقلتان لمراقبة عملية التصويت. وفي حال أكدت السجلات الرسمية هذه النتائج، فمن المتوقع أن يفكك الاقتراع كل ما تبقى من يوغسلافيا السابقة. وقد رأى عدد من المراقبين في النتائج المعلن عنها فوزاً لأنصار رئيس الوزراء "ميلو ديوكانوفيتش"، الذي يتزعم محاولات الاستقلال منذ 1997. غير أن الإعلان، الذي أعقبته احتفالات عمت أرجاء "بودغوريتشا" والمناطق المجاورة، أشار كذلك إلى أن هامش الفوز كان صغيراً، حيث أعلنت منظمتان مستقلتان من المنطقة راقبتا عملية التصويت، وهما "مركز المراقبة" و"مركز الانتخابات الحرة والديمقراطية"، أن 55.5 في المئة من الأصوات المدلى بها تؤيد خيار الاستقلال، وذلك استناداً إلى النتائج التي جمعت في 1100 مركز تصويت. وبمقتضى قواعد تم التفاوض بشأنها من قبل مع الاتحاد الأوروبي، وافقت حكومة الجبل الأسود على شرط الفوز بـ55 في المئة على الأقل من الأصوات المؤيدة للاستقلال من أجل الاعتراف به دولياً. وبالرغم من أن النتائج الرسمية النهائية لم يعلن عنها بعد، فقد خرج الآلاف ممن يؤيدون استقلال الجبل الأسود إلى الشوارع، حاملين الأعلام واللافتات، كما تم إطلاق الألعاب النارية في العاصمة، وذلك بعدما منحت النتائج الجزئية الأولية الكتلة الانفصالية هامشاً أكبر من النصر بلغ 56.3 في المئة. وفي غمرة أجواء الانتشاء بالنصر، سعا "ديوكانوفيتش" إلى توحيد مواطني الجبل الأسود بعد ما وصفه كثيرون بالحملة الانقسامية، إذ قال في تجمع لأنصار خيار الانفصال عن صربيا أمام المبنى الحكومي الرئيسي في "بودغوريتشا": "إنه من حقنا الاحتفال بهذا النصر بطريقة كريمة"، ولكنه أضاف أنه لا ينبغي النظر إلى طرف ما على أنه الفائز أو المنهزم قائلا "ينبغي أن يكون هذا وطناً حاضناً لكل من يعيش في الجبل الأسود". أما زعيم المعارضة المؤيدة للاتحاد مع صربيا، "بيدغراد بولاتوفيتش"، فقد شكك في أن تكون الحكومة قد فازت، معتبراً أنه من السابق لأوانه استخلاص نتائج نهائية حول الاقتراع. وبعد إعلان نتائج الاستفتاء، وقفت مجموعات من الشبان الصرب خارج مقر "بولاتوفيتش" بمركز المدينة، منشدين "إنهم يكذبون، يكذبون، يكذبون"، أثناء مرور مؤيدي خيار الاستقلال بسياراتهم حاملين علم جمهورية الجبل الأسود. ومما يجدر ذكره أن ثلث سكان الجبل الأسود على الأقل والبالغ عددهم 650000 هم من الصرب. غير أن المنظمتين اللتين راقبتا عملية التصويت أعلنتا أن النتائج تمثل 99.8 في المئة من الأصوات المدلى بها، وبأنه من المستبعد جداً أن يكون هامش التأييد لخيار الاستقلال، في النتائج الرسمية النهائية، أقل مما تم الإعلان عنه من قبل. وإذا ما تأكدت النتائج، فستكون الجبل الأسود آخر جمهورية من جمهوريات يوغسلافيا السابقة التي تقطع روابطها بصربيا، وذلك بعد 15 سنة من بدء مسلسل التفكك، حيث خاضت كل من سلوفينيا وكرواتيا والبوسنة حروباً ضد صربيا من أجل الانفصال. أما مقدونيا فقد انفصلت في 1991 من دون أي صراع. وبذلك سيضع انفصال الجبل الأسود حداً لاتحاد صعب مع صربيا، ظل متماسكاً بفعل ضغوط الاتحاد الأوروبي، إذ سعت جمهورية الجبل الأسود منذ 1997 إلى النأي بنفسها عن الحكومة الفيدرالية في بلغراد، حيث أنشأت نظاماً جمركياً وشرطة شبه عسكرية. كما أحجمت عن التعامل بالعملة اليوغسلافية الدينار وتبنت اليورو. وإذا كان عدد من الدبلوماسيين والمحللين هنا يرون أن من شأن الاستفتاء أن يرسم أخيراً معالم علاقة أوضح بين صربيا والجبل الأسود، فإن التصويت لصالح الانفصال اعتبر أيضاً ضربة شخصية لرئيس الوزراء القومي لصربيا "فويسلاف كوستونيتشا" في ظرف دقيق جداً. وفي هذا السياق، يقول "براتيسلاف غروباسيتش"، المحلل السياسي ومدير وكالة الأنباء المستقلة "في آي بي" التي يوجد مقرها ببلغراد: "من المهم من الناحية النفسية لصربيا أن توقف مسلسل الانفصال عنها"، مضيفاً أن "ذلك يضعف موقف كوستونيتشا تجاه كوسوفو"، في إشارة إلى المنطقة التي تديرها الأمم المتحدة وما تزال تعتبر رسمياً إقليماً صربياً، والتي يرجح عدد من المراقبين الدوليين أن تحصل على استقلالها بنهاية العام. وبالنسبة لمؤيدي استقلال الجبل الأسود، تعد نتائج الاستفتاء، على تقاربها، ثمرة صراع استمر عقداً من الزمن في سبيل استرجاع الجبل الأسود للوضع الذي كان يتمتع به خلال الفترة الممتدة من 1878 إلى 1918، حين كان جمهورية ودولة معترفاً بها دولياً. وفي هذا الإطار، يقول "ليوبومير ديوركوفيتش"، مدير مسرح من "سانتينيي"، وهي مدينة مؤيدة للاستقلال تقع إلى الغرب من "بودغوريتشا"، "إنه يوم عظيم بالنسبة لمواطني الجبل الأسود أن يسترجعوا استقلالهم بعد 88 عاما"، مضيفاً أنه يعتزم الاحتفال بهذه المناسبة بزيارة قبري والده وجده اللذين قضيا حياتهما يأملان في دولة مستقلة، لكنهما لم يعيشا لرؤيتها. نيكولاس واد مراسل "نيويورك تايمز" في بودغوريتشا- الجبل الأسود ينشر بترتيب خاص مع "نيويورك تايمز"