عندما قام فلسطينيون مسجونون ينتمون إلى حركتي "فتح" و"حماس" بإصدار بيان مشترك يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية داخل حدود 1967، فإن "حماس" فوجئت بهذا البيان وأعلن قادتها أنهم لن يعترفوا بإسرائيل، ولن يوافقوا على حل الدولتين، وأن البيان الصادر من السجون كان يعني عكس ما فُهم منه تماماً. وتذبذبت ردود الفعل التي صدرت من "حماس" من النقيض إلى النقيض حيث سارع عدد من قادتها إلى تأكيد أن البيان الصادر من السجن لم يقرر صراحة دعمه لحل الدولتين، في حين أدلى عدد آخر من هؤلاء القادة بتصريحات مناقضة قالوا فيها إن "حماس" مستعدة للدخول في مفاوضات، وإنها ستتصرف بما يتماشى مع إرادة الشعب. من الواضح الآن أن "حماس" قد أصبحت تتحدث بأكثر من صوت، على عكس ما كان سائداً في الماضي حيث لم يكن هناك سوى صوت الشيخ أحمد ياسين الزعيم الروحي للمنظمة بالإضافة إلى اثنين من المتحدثين الرسميين. أما الآن فإنه غدا من الصعب على أحد أن يحدد سياسة "حماس" بالضبط. فبالإضافة إلى الأصوات التي تقول إنه ليس هناك مكان لإسرائيل في الشرق الأوسط، نجد أن هناك أصواتاً أخرى معتدلة تتنافس مع هذه الأصوات منها صوت "أحمد يوسف" كبير المستشارين السياسيين لرئيس الوزراء الفلسطيني، والذي عاش لمدة 20 عاماً في الولايات المتحدة، ويحتفظ بعلاقات وثيقة مع الكثيرين هناك. في نفس الوقت قام "غازي حمد" المتحدث باسم حكومة "حماس" بإلقاء ظلال من الشك على الرسالة بالقول إن العديد من المساجين لم يكن لديهم علم بها، وإن أحداً لم يتحدث عن حل الدولتين ولكنها (الرسالة) تتحدث عن القبول بحدود 1967 "أي إقامة دولة فلسطينية تضم قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية ونحن ندعم ذلك". وينظر البعض إلى رسالة المسجونين باعتبارها علامة بارزة على الاعتدال من جانب هؤلاء الذين كان ينظر إليهم على أنهم يتبنون مبادئ متشددة، والذين يحظون باحترام كبير من قبل الشعب الفلسطيني على أساس أنهم كانوا في طليعة النضال الوطني. والسبب الذي دعا البعض إلى النظر إلى تلك الرسالة باهتمام هو أنها تعتبر قبولاً فعلياً بحل الدولتين من قبل أعضاء منتمين إلى الحركتين الرئيسيتين على الساحة الفلسطينية. وبصرف النظر عن الرأي الذي أبداه قادة "حماس" مراراً وتكراراً من أنهم لن يعترفوا بإسرائيل، إلا أن استطلاع آراء الفلسطينيين العاديين، يدلنا على أنهم يحملون آراء أكثر مرونة. ففي استطلاع للرأي قام به أحد المراكز البحثية الفلسطينية في رام الله، وأُعلنت نتائجه منذ أسبوعين، أعرب عدد يقل قليلاً عن ثلاثة أرباع من شاركوا في الاستطلاع، عن أنهم يفضلون أن يقوموا بحل مشاكلهم مع الإسرائيليين على مائدة المفاوضات، بدلاً من إخراج أنفسهم من حلبة المفاوضات وترك الأمر لإسرائيل كي تقوم برسم حدودها من جانبها دون تدخل من الفلسطينيين. وقد قال 59 في المئة من المشاركين في الاستطلاع إنهم لا يحبذون أن تقوم "حماس" بالاعتراف بإسرائيل الآن. فهناك في الوقت الراهن حالة من الغضب المتزايد حول ما يسميه الفلسطينيون "مقاطعة" حكومة "حماس"، والتي أدت إلى عدم حصول الموظفين في الحكومة والمسؤولين المنتخبين على رواتبهم منذ مارس الماضي. على الرغم من ذلك فإن مسؤولي "حماس" المنتخبين شرعوا بالفعل في التصدي للمهمة الصعبة الخاصة بالحكم؛ ففي ورشة تم تنظيمها مؤخراً لتدريب أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني على ممارسة السلطة، درس هؤلاء الأعضاء كيفية طرح طلبات الإحاطة على الوزراء والمسؤولين الحكوميين بغرض ممارسة الرقابة على الإنفاق والحصول على الإجابات التي يريدونها. إن الأمر يبدو إلى حد بعيد كنظام للضوابط والتوازنات بغرض توزيع السلطة بطريقة ديمقراطية وهو ما حاولت الولايات المتحدة تنفيذه سابقاً، أيام ياسر عرفات، دون نجاح كبير. أما في الظروف الراهنة، فإن برامج بناء الديمقراطية في الضفة الغربية وقطاع غزة قد انطلقت بالفعل. "صلاح البردويل" وهو واحد من أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني يحاول التوصل إلى الوسيلة التي يمكن بها إدارة حكومة من خلال ميزانية محدودة. وهو يقول إن برنامج "حماس" ليس متأخراً كثيراً عما هو وارد في الرسالة التي وجهها الفلسطينيون المسجونون في السجون الإسرائيلية، ولكنها تقوم في الوقت الراهن بطرح الموضوعات للمناقشة بغرض تحويل نفسها من جماعة مسلحة إلى حزب يتحكم في 74 مقعداً من مجموع المقاعد البرلمانية البالغة 132 مقعداً. وفي هذا السياق يقول السيد البردويل أيضاً: "نحن نؤيد أية خطوات ترمي إلى إنشاء دولة فلسطينية داخل حدود 1967 إذا ما تخلت إسرائيل عن حلمها بإنشاء دولة من النيل إلى الفرات.. أعطونا أراضي 1967 ودعونا نحلم للمئة عام القادمة". لين آر. بروشر ـــــــــــــــ مراسلة "كريستيان ساينس مونيتور" في غزة ـــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"