يتزايد الحديث عن العمال المخالفين والهاربين من كفلائهم، وبعض التقارير تتحدث عن "سوق منظمة" ومناطق تجمع معروفة لهذه العمالة، وأن بعض الشركات الكبرى تستعين بهم في تنفيذ المشروعات، والأخطر من ذلك أن إحدى الصحف المحلية نسبت إلى مصدر في وزارة العمل قوله إن هناك منشآت كبيرة تشغّل عمالة مخالفة بالآلاف، أما أصحاب الشركات أنفسهم فيقولون إن السبب المباشر يكمن في ارتفاع رسوم استقدام العمالة. ما يهم الكثيرين في هذا السجال يتجاوز الاتهامات المتبادلة بين أصحاب الشركات ووزارة العمل، إذ إن حدود المسؤوليات بين الجانبين متداخلة ويصعب فضّ الاشتباك الإداري من دون بناء قواسم مشتركة والاتفاق على حدود وصيغ للتعاون، فالوزارة لا تعمل في فراغ إداري ولن تنجح في مهمتها من دون تعاون أصحاب العمل، وفي المقابل فإن أصحاب الشركات الذين يعملون في بيئة عمل ديناميكية منفتحة ومن دون التزامات ضريبية أو إجراءات بيروقراطية معقدة عليهم التزامات ينبغي مراعاتها، وفي مقدمتها عدم الإضرار بمصالح الوطن أو تجاهل هذه المصالح لحساب مصالح ذاتية تحت شعارات ومسميات واهية مثل ارتفاع رسوم الاستقدام أو غير ذلك. الموضوعية تقتضي القول إن وزارة العمل لا تمتلك السلطة والإمكانيات المادية والكوادر البشرية التي تؤهلها للسيطرة على سوق العمل المحلي تماماً، ليس فقط بحكم تعدد جهات استخراج تأشيرات العمل، ولكن أيضاً لأن حجم سوق العمل المتنامي أكبر من طاقات الوزارة في التفتيش والرقابة والمتابعة الدقيقة، وبالتالي من الصعب "حشر الوزارة في الزاوية" وتحميلها المسؤولية كاملة عن المخالفات والخروقات والتجاوزات، خصوصاً أن الوزير د. علي عبدالله الكعبي يمتلك رؤى إصلاحية لأوضاع سوق العمل ويحاول بناء ما يمكن وصفه بالحوار العمالي مع أصحاب الشركات للتخلّص من سلبيات عديدة منها تسوية أوضاع العمالة المخالفة وأيضاً ترميم الثغرات التي تشوب العلاقات العمالية بما يدرأ عن الدولة أية سلبيات أو شوائب تشوّه صورة التنمية الحضارية. ظاهر الأمور ربما يشير إلى أن السوق المفتوحة تعتمد مبدأ العرض والطلب وهذا ينطبق على العمالة، وبالتالي فإن المسألة لا تتعلق بمخالفات بل تتم تحت عنوان قبول عروض عمل أفضل، ولكن هذه الحجة مردود عليها بأن أية تصرفات غير قانونية لا يمكن أن تترتب عليها نتائج قانونية لأن الأساس الحاكم للعلاقة هو مبدأ "العقد شريعة المتعاقدين"، فضلاً عن أن هذه الممارسات تسهم في تفريغ بعض الشركات من الفنيين والمهنيين لمصلحة شركات أخرى، وتضع البعض الآخر في مواقف صعبة جرّاء التأخير في التنفيذ بسبب هروب العمال وغير ذلك، ناهيك بالطبع عن الإفرازات السلبية العديدة للعمالة الهاربة. من الضروري تأكيد أن حوار الشركاء العمالي بين الوزارة وممثلي شركات القطاع الخاص مسألة حيوية لإصلاح الأوضاع المخالفة، ومن الخطر أن تنقطع خطوط الاتصال أو يتغلّب على طابع العلاقة سوء الإدراك أو الشكوك أو حتى صعوبات الاتصال. فمن مصلحة الوزارة أن تمتلك علاقات شراكة قوية مع الشركات، وفي المقابل من الضروري أن يدرك أصحاب هذه الشركات خطورة مقاطعة الوزارة أو الاكتفاء بإدارة حوار طرشان من وراء الكواليس معها. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.