كثير من الناس يتهمون المعارضين لعقوبة الإعدام بأنهم ضد الإسلام, وأنهم منساقون وراء الغرب, ومع ذلك كل الشواهد تشهد بأن الحق مع المطالبين بإلغاء هذه العقوبة التي تريح القاتل أكثر من أن تؤذيه فيما لو بقي حياً. وفي الأسبوع الماضي نشر مقال وخبر يتعلقان بهذا الموضوع. الأول حول الوضع الذي سيعيشه القاتل الإرهابي زكريا موسوي الذي أودى تآمره مع بن لادن بحياة أكثر من ثلاثة آلاف إنسان بريء في دقائق معدودات في برجي مركز التجارة العالمي، وذلك بعد أن صدر الحكم بسجنه مدى الحياة. وأما المقال فقد كتبه دبلوماسي عراقي سابق يطالب فيه العراقيين بعدم إعدام صدام حسين، وإيداعه بدلاً من ذلك، في مستشفى المجانين مربوطاً بسترة المجانين طوال حياته المتبقية. بالنسبة للإرهابي الموسوي سيقضي البقية الباقية من حياته والتي قد تصل إلى أكثر من ثلاثين عاماً على الأقل في سجن من الإسمنت بغرفة لا تتجاوز مساحتها 2×4 متر مربع، وربما أقل مدة 23 ساعة في اليوم، مع ساعة للتريض في الفناء الخارجي للسجن والذي بدوره، لن يتجاوز بضعة أمتار، وطاولة وكرسي بلا مسند من الأسمنت، وتلفاز ببرامج دينية وتعليمية (والله الأميركيين أوادم ورحماء مع قاتلي مواطنيهم). هذا هو المكان الذي سيقضي فيه الموسوي حياته. ترى أليس الإعدام أرحم، حيث موتة واحدة لا تأخذ منه سوى بضع دقائق، ثم ينساه الناس بعدها؟ لكن وجوده حياً في هذا السجن سيجعله يموت تدريجياً، كل يوم وكل لحظة، بل وسيتمنى الموت ولن يحصل عليه. عذاب الانتظار عذاب مميت وبطيء، خلافاً للإعدام الذي ينتهي في لحظات. المقال الآخر الذي طالب فيه دبلوماسي عراقي سابق بعدم إعدام صدام حسين الذي حرص على الحياة حتى ولو كانت في ذل الأسر والمهانة اليومية بعد الجرجرة في المحاكم، مع الخطأ الذي يرتكبه الأميركيون والعراقيون بمعاملته بشكل إنساني لا يستحقه مجرم مثله، حيث يرى هذا الكاتب أن من الأفضل إيداع صدام حسين في مستشفى للمجانين مربوطاً بسترة المجانين الشهيرة لتكون حركته محدودة، والتي ستجلب له الجنون حتماً بعد فترة وجيزة. إن أي إنسان عاقل يسعى فعلاً لتأديب أمثال هؤلاء المجرمين والإرهابيين من أمثال الموسوي وصدام، عليه أن يعترف بأن مثل هذه العقوبة، السجن محدود الحيز والحركة، وسترة المجانين ستكون أكثر تعذيباً وإهانة للمجرم من عقوبة الإعدام التي تنتهي في بضع دقائق، فضلاً عن أن أخبار تدهور وضعهم الصحي ستزيد من فرح ضحاياهم، ويفترض أن تتم معالجتهم بشكل جيد لضمان استمرار تعذيبهم نفسياً وجسدياً لأطول مدة ممكنة. لماذا يؤيد معارضو عقوبة الإعدام، مثل هذا النوع من العقوبات المؤذية للنفس والجسد؟ ليس كراهية في العقوبة، بل لأنها ليست عقوبة حقيقية. ما العقوبة في الموت؟ دقائق وينتهي الأمر، خلافاً للسجن المؤبد حتى الموت. ومن ناحية ثانية، توفر عقوبة السجن مجالاً واسعاً لمن قد يكون مظلوماً بسبب عدم كفاءة الوسائل الجنائية المتبعة في بلادنا العادلة جداً، وتقاريرها التي (ما تخرش الميه)، وكم تمت تبرئة مُدان بعد سنين طويلة كان سبب الحكم عليه سوء حظ أو سوء طريقة عرض الأدلة الجنائية التعيسة التي نعرفها جيداً في بلادنا. عذاب طويل ينتظر الموسوي، ونتمنى عذاباً مثله لصدام حسين، إذا ما أخذ ما كتبه ذلك الدبلوماسي العراقي ذو القلب المحروق مما فعله صدام به أو بأهله.