"حماس": التوظيف السياسي للعمل الخيري في شهر يناير من عام 2006 الجاري, حققت حركة "حماس" فوزاً انتخابياً ساحقاً في معركة الانتخابات التشريعية التي جرت حينئذ. وكان من رأي المحللين والمراقبين أن الأسباب الرئيسية وراء ذلك الفوز, تعود إلى مصداقية "حماس" وبعدها عن ممارسات الفساد الواسعة التي طالت المؤسسة السياسية التقليدية الفلسطينية, إلى جانب الدور الذي لعبته المساعدات الخيرية الإنسانية التي تقدمها الحركة للفلسطينيين. ومن ينظر إلى تلك المعركة الانتخابية ونتائجها, فلابد من أن يأخذ في الاعتبار بالنتائج والمكاسب السياسية التي جنتها "حماس" إثر تحولها إلى مؤسسة سياسية اجتماعية تعليمية خيرية متكاملة الخدمات. لكن وبما أن "حماس" لم تختلف في منهجية عملها السياسية هذه, عن حركات وتيارات إسلامية أخرى مشابهة في المنطقة, على نحو ما رأينا في وسائل عمل تيار "الإخوان المسلمين" في السودان يوم أن كان التنظيم في صفوف المعارضة –وليس السلطة-, وعلى غرار ما تفعل "المدارس الإسلامية" في باكستان, فإن الجانب الخدمي من نشاط الحركة, لم يلغِ النظر إلى الوجه السياسي لهذه الخدمات الخيرية الإنسانية. بل إن فوز "حماس" بتلك الانتخابات لم يغير وجهة نظر الغرب عموماً إزاءها, ولم يشطب اسمها من قائمة المنظمات المصنفة على أنها "إرهابية". وهذا هو ما يفسر المقاطعة الغربية الواسعة للمنظمة على رغم فوزها في انتخابات ديمقراطية, وعلى رغم اختيار الناخبين الفلسطينيين لها, بمحض وكامل إرادتهم السياسية! والمنطق الذي يثيره الغرب في وجه هذا الاحتجاج, هو ما عبر عنه الكاتب والمحلل السياسي توماس فريدمان في إحدى مقالاته السياسية, بقوله إن العالم سيكون في حل تام من الاعتراف بفوز حركة "حماس", طالما ظلت الحركة على تمسكها بدستورها الرافض للاعتراف بحق إسرائيل في الوجود, وطالما واصلت عدم التزامها بكل الاتفاقيات والتعهدات السابقة التي التزمت بها السلطة الفلسطينية مثل اتفاقات "أوسلو" وغيرها, وهي جميعها تتضمن الاعتراف بدولة إسرائيل وأهمية التفاوض معها حول تسوية سلمية للنزاع بين الطرفين. وتبعاً للاعتراض ذاته, يؤخذ على الحركة كذلك عدم إعلانها تخليها عن العنف أداة للعمل السياسي ضد إسرائيل. وخلاصة القول فإن للديمقراطية التزامات ومبادئ محفوظة مرعية, لابد لـ"حماس" من التقيد بها واحترامها. وإن لم تفعل, فلا شيء يلزم الآخرين حيالها. وفي اعتقاد ماثيو ليفيت مؤلف هذا الكتاب, أن العمل الإنساني الخيري الذي تقوم به الحركة في أوساط الفلسطينيين, ليس سوى قناع خارجي يخفي وراءه الأهداف والمطامع السياسية التي تسعى الحركة إلى تحقيقها, بما في ذلك وصولها إلى المواقع القيادية في السلطة الفلسطينية والجمعية التشريعية وإمساكها بمجمل مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الفلسطينية. ويجيء الكتاب كله بفصوله التسعة, بمثابة تقييم شامل للتركيب السياسي العسكري والفكري للحركة, بنيتها الداخلية وأهدافها وأولوياتها المعلنة والخفية. وقد عد هذا الكتاب في نظر الكثير من المراقبين لنشاط الحركة في الأوساط الأميركية, باعتباره أشمل دراسة عن تكتيكات "حماس" ووسائل عملها السياسي, وعن سبل تمويلها وتركيبها بصفتها حركة مقاومة إسلامية, تتخذ من الجهاد والعنف أداة رئيسية لعملها السياسي والعسكري. كما أولى المؤلف اهتماماً ملحوظاً للتشريح المفصل الدقيق لبعض العمليات أو الهجمات النوعية التي نفذتها الحركة, بما فيها رصد تكلفة كل قذيفة من القذائف, وكل طلقة من الطلقات المستخدمة فيها. وضمن ذلك أمضى الكاتب قدراً من الوقت والجهد في تحليل ومناقشة آيديولوجيا الانتحار وأدواته ووسائله. أما الفرضية الأساسية التي بنى عليها المؤلف بحثه, فتتلخص في أنه ليس ثمة حد فاصل أو مسافة بين الوجه العسكري والجانب الخيري من نشاط الحركة. وتوصل في إطار الاستنتاجات العامة التي صاغها, إلى أن العمل السياسي الشرعي نفسه, ليس سوى قناع آخر للطابع العسكري القائم على التطرف والعنف وعدم الاعتراف بالآخر الفلسطيني من الأساس في رأيه. يذكر أن ليفيت كان يعمل زميلاً أول في "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى", وأنه يتولى منصب نائب وزير الخزانة حالياً. ومن خلال عمله السابق بالمعهد المشار إليه, كان المؤلف قد نشط في مجال مكافحة الإرهاب, ونجح في تكوين خبرة ميدانية كثيفة في كل من إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة. أما المصادر التي استقى منها معلوماته هذه عن "حماس", فهي واسعة ومتعددة, شملت خبرته الميدانية المباشرة, وبيبلوغرافيا وأدبيات الحركات والتيارات الإسلامية الجهادية –بما فيها الأدبيات المتوفرة عن حركة "حماس"- إلى جانب المصادر والمعلومات التي رفعت عنها السرية من قبل كل من وكالة المخابرات المركزية الأميركية, ومكتب التحقيقات الفيدرالي, إضافة إلى التقارير الصادرة عن وزارة الأمن القومي. أما تقديم دنيس روس المبعوث الخاص السابق للشرق الأوسط –في عهد إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون- للكتاب, ففيه تثمين وتقدير لدقة المعلومات التي حواها الكتاب, وتقريظ لجودة البحث والتحليل, علاوة على ما يكسِبه اسم دنيس روس نفسه للكتاب من وزن وأهمية. إلا أن ما قد يؤخذ على الكتاب ومقدمة دنيس روس له, أنهما من نوع الدراسات والاستنتاجات التي يمكن الطعن في موضوعيتها من ناحية كونها دراسة أحادية البعد والنظر, ومن ناحية انحيازها لوجهة النظر الرسمية, المعبرة عن الموقف الأميركي الرسمي من المنظمة, والإصرار على أنها منظمة إرهابية, رغم فوزها ديمقراطياً. بل إن دنيس روس نفسه من الشخصيات التي يحسب عليها ولاؤها وانحيازها لإسرائيل, على حساب الفلسطينيين عموماً. عبد الجبار عبد الله الكتاب: السياسة والعمل الخيري والإرهاب في الخدمة الجهادية تأليف: ماثيو ليفيت وتقديم دينيس روس الناشر: مطبعة جامعة ييل للنشر تاريخ النشر: مايو 2006