في الفترة التي سبقت شن الحرب على العراق قام المحافظون الجدد واللوبي الإسرائيلي بقيادة حزب الحرب، حيث برروا ليس فقط الحرب على العراق ولكن تغيير الأنظمة في عدد من دول الشرق الأوسط. أما المنشقون القلائل على هذا المعسكر فقد تساءلوا: هل يمكن لحرب تُشن في الشرق الأوسط من أجل خدمة المخططات الإسرائيلية أن تخدم المصالح الأميركية؟ وفي ذلك الوقت أكد المرشح السابق لانتخابات الرئاسة "باتريك بوكانان" أن "هناك عصابة تسعى عمداً إلى توريط البلاد في سلسلة من الحروب التي ليست في مصلحة أميركا". كما اتهم السيناتور "إيرنست هولينجز" بوش بأنه بشن حرباً على دولة ذات سيادة وهي العراق من أجل مصلحة إسرائيل. ولكن، ما الذي يدعو الولايات المتحدة للتغاضي عن مصالحها من أجل تقديم مصالح إسرائيل؟ هذا هو السؤال الذي طرحه أستاذان محترمان هما "جون ميرشايمر" من جامعة شيكاغو، و"ستيفن والت" من جامعة هارفارد في دراسة لهما نشرت مؤخراً عن اللوبي الإسرائيلي (مجلة لندن ريفيو أوف بووكس، 23 مارس 2006). تضمنت تلك الدراسة الحقائق التالية: - إسرائيل أكبر متلقٍ للمساعدات الأميركية (3 مليارات دولار سنوياً). - إن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي استخدمت أميركا "الفيتو" بالنيابة عنها (32 مرة ضد قرارات تنتقد إسرائيل منذ 1982). - أن الولايات المتحدة ساندت الموقف الإسرائيلي في جميع المفاوضات التي تمت بين العرب وإسرائيل. - على الرغم من أن إنشاء إسرائيل كان استجابة للمعاناة التي عانى منها اليهود على مدار تاريخهم إلا أن ذلك الإنشاء تسبب في معاناة طرف ثالث أي الفلسطينيين. - أما عن التفوق الأخلاقي لإسرائيل فقد أشار الأستاذان المذكوران إلى أن إنشاء دولة إسرائيل بالقوة صاحبه قيامها بأعمال تطهير عرقي وإعدامات، ومذابح واغتصاب بما يكذب أي ادعاءات بالتفوق الأخلاقي. أما عن الزعم بوجود قيم ديمقراطية مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل فيقول "ميرشايمر" و"والت" إن تلك القيم غير موجودة في إسرائيل التي نشأت كدولة يهودية والتي تقوم المواطنة فيها على مبدأ النقاء العرقي. أما بالنسبة للزعم الخاص بأن إسرائيل تمثل مكسباً استراتيجياً فإن الباحثين يقولان إن وجود إسرائيل لم يحل مثلاً دون اندلاع الثورة الإيرانية، كما أنها كانت عبئاً في حروب الخليج، وفي الحرب على الإرهاب. وبعد أن أوردا كل تلك الأدلة المضادة لإسرائيل تساءل الأستاذان عن السبب الذي يدعو أميركا إلى الاستمرار في تقديم المساندة لإسرائيل. ويقدمان هما بنفسيهما الإجابة على ذلك السؤال قائلين: إن السبب في ذلك يرجع إلى القوة التي لا تبارى للوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الذي تمثل لجنة العمل السياسي الإسرائيلي- الأميركي التي يرمز إليها بالحروف AIPAC أقوى مكوناته وهي لجنة تعمل كوكيل لحكومة إسرائيل في الولايات المتحدة ولها سيطرة قوية على الكونجرس مما يعني أن السياسة الأميركية المتعلقة بإسرائيل لا تناقش في أروقته. والشيء الملفت للنظر بالنسبة لدراسة "ميرشايمر" و"والت" ليس فقط ما تقوله فقد قيل مثله وأكثر في إسرائيل ذاتها من قبل أشخاص مثل "سمحا فلابان"، و"باروخ كيمرلنج"، و"بيني موريس" وغيرهم، وفي الولايات المتحدة من قبل أشخاص مثل "الفريد ليلينثال"، و"نعوم تشومسكي"، و"شيري روبينبيرج"، و"نورمان فينكلشتاين" ومن قبل الباحثين الأميركيين العرب طبعاً. الملفت للنظر هو أن مجرد طبع هذه الدراسة في حد ذاته يثبت شيئين تطرحهما: أن أي أحد يتجرأ على انتقاد إسرائيل يكون عرضة للاتهام بأنه مُعادٍ للسامية. وهو ما حدث لهما بالفعل حيث رد أحد المناصرين لإسرائيل بمقالة تحمل عنوان صارخاً: "بارانويا مضادة للسامية في هارفارد" ( بوسطن هيرالد تريبيون). الثاني: أن المؤلفين يمثلان جامعتي هارفارد وشيكاغو اللتين وإن كانتا تمثلان رمزين محترمين للمؤسسة الأميركية إلا أنهما تجاهلتا حقائق القضية الفلسطينية طويلاً. إذا ما عرفنا ذلك فإن الاستنتاج النهائي الذي يخلص إليه المؤلفان في الدراسة يغدو حقيقياً ومفارقاً في الوقت ذاته وهو: "أن الدول القوية يمكن أن تحافظ على سياسات معيبة لفترات طويلة، ولكنها لا تستطيع أن تتجاهل الحقائق لفترة طويلة".