قبل يوم واحد من التاريخ الذي حدد لإيران لوقف العمل في برامجها النووية المثيرة للجدل والخلاف, أبدت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس اهتماماً بتهدئة روع ومخاوف الأوروبيين في بلغاريا وغيرها من عواصم القارة الأخرى, إزاء احتمال استخدام أميركا لقواعدها العسكرية المنتشرة في البلدان الأوروبية لتوجيه ضربة عسكرية لطهران. ففي ختام اجتماع لوزراء خارجية دول حلف "الناتو", قالت "رايس" في مؤتمر صحفي عقد حينها: "أعلم أنكم تفكرون بهذا. وفي حين لا تزال كل الخيارات مطروحة أمامنا على الطاولة, فإننا لا نزال على التزامنا بالحل الدبلوماسي, الذي نتوقع له أن ينجح في إقناع طهران بتغيير مسارها, فيما لو توفر لهذا الحل, ما يكفي من الوحدة والعزم".
وقد وقعت "رايس" على اتفاقية يوم الجمعة الماضي عقدتها بلادها مع الحكومة البلغارية, تتمكن بموجبها واشنطن من استخدام ثلاث من قواعدها العسكرية الموجودة هناك, ضمن خطة تستهدف نقل القوات الأميركية من القواعد الكبيرة الموجودة حالياً في أوروبا, إلى قواعد أصغر في عدد من دول أوروبا الوسطى القريبة من منطقة الشرق الأوسط. واحتجاجاً على هذه الخطوة, شارك ما يقارب الخمسة آلاف بلغاري في موكب احتجاج أمام السفارة الأميركية يوم الخميس الماضي, تعبيراً عن شجبهم للاتفاقية المذكورة. ومن جانب آخر أظهر استطلاع للرأي العام البلغاري, معارضة الأغلبية للاتفاقية إياها.
وكانت "رايس" قد واجهت مخاوف واحتجاجات مماثلة, خلال زيارتها في وقت مبكر من الأسبوع نفسه إلى اليونان وتركيا, حيث سبقتها التقارير والمخاوف الإخبارية القائلة باحتمال طلبها من السلطات, استخدام بلادها للقواعد العسكرية الموجودة في البلدين, في ضربة محتملة ضد طهران. ورداً على تلك المخاوف قالت رايس في اليونان: "دعونا ندخل إلى صلب الموضوع مباشرة. فالولايات المتحدة تدرك أن إيران ليست العراق. فللظروف العراقية سماتها الخاصة التي تعود إلى ماضي اثني عشر عاماً من العداءات التي أعقبت حرباً عدوانية شنها صدام حسين نفسه". يذكر أن مجلس الأمن الدولي قد كان قد أعطى إيران مهلة حتى يوم الجمعة الماضي, لوقف أنشطتها الخاصة بتخصيب اليورانيوم. وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلنت في اليوم نفسه عن نتائج تقريرها القائل بعدم تعاون طهران مع النداء الذي وجهه إليها مجلس الأمن الدولي في هذا الشأن. في الوقت ذاته تخطط إدارة بوش لمتابعة الموقف والدفع باتجاه تنظيم حملة دبلوماسية, ربما تسفر عن التوصل إلى حل لا يستبعد أن ينتهي إلى فرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية. لكن بسبب تحفظ كل من الصين وروسيا على أي اتجاه لفرض عقوبات دولية على طهران, فقد أرغم المسؤولون الأميركيون على الاعتراف بأنهم يواجهون معركة دبلوماسية شرسة من أجل إقناع هذه الأطراف بفرض العقوبات, خاصة وأن الدولتين المذكورتين تتمتعان بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن.
وكانت "رايس" وواحد وثلاثون وزيراً من وزراء خارجية حلف "الناتو", قد أمضوا ثلاث ساعات من المناقشات على مائدة عشاء في اليونان, شملت الأزمة الإيرانية والمهلة المحددة لطهران من قبل مجلس الأمن الدولي, علاوة على تناول قضايا أخرى, مثل إقليم دارفور السوداني والعراق والحكومة الفلسطينية بقيادة حركة "حماس", على حد تصريح بعض المسؤولين الأميركيين, الذين لم يتطرقوا إلى تفاصيل تلك المناقشات وما دار فيها.
وفي ترديد منها لتصريحات وبيانات شبيهة بتلك التي سبقت شن الغزو على العراق, قالت "رايس" إن مصداقية مجلس الأمن الدولي باتت في خطر, نظراً إلى أن عجز إيران عن الامتثال للإرادة الدولية, لن يكون مجانياً بأي حال. غير أن الكثير من الخبراء القانونيين والدبلوماسيين, لا يرون سنداً قانونياً ولا دبلوماسياً لمثل هذه التصريحات. وقالت "رايس" في استطراد لها للصحفيين في السياق نفسه: "لكي تكون لمجلس الأمن الدولي مصداقيته وكلمته, فإن عليه أن يفعل". ومضت "رايس" إلى القول: "إن مجلس الأمن الدولي مؤسسة على درجة من الأهمية في حفظ الأمن والاستقرار والسلام, ولا يمكن أن تقدم على تجاهل كلمته, إحدى الدول الأعضاء في الأسرة الدولية". فهل تفلح هذه الكلمات والتصريحات في تبديد روع الأوروبيين من أن تدخل بلادهم طرفاً في مواجهة عسكرية أميركية- إيرانية؟
جلين كيسلر
ـــــــــــــــــــــ
مراسلة صحيفة "واشنطن بوست" في صوفيا
ــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"