يمكن مقاربة الفيلم الأخير "يونايتد 93" الذي يصور اللحظات المرعبة التي عاشها ركاب إحدى الطائرات المختطفة خلال أحداث 11 سبتمبر الأليمة عبر ثلاث نقاط أساسية، فضلاً عن نقطة أخرى تسجل لصالحه. تتمثل النقطة الأولى في أن الفيلم جاء ليفند الادعاءات والنظريات التي حامت حول ارتطام الطائرات ببرجي مركز التجارة العالمي بنيويورك والمستندة إلى نظرية المؤامرة. فقد ذهب بعض المتشددين في رأيهم إلى أن انهيار البرجين وتحطم جزء من البنتاجون إنما كان بسبب قنابل أو صواريخ أطلقت عليها من بعيد، فيما ذهب الأقل تشدداً إلى أن رحلة "يونايتد 93" أسقطت من قبل الطائرات المقاتلة الأميركية بدل الرواية التي باتت معروفة ومفادها أن الركاب قاوموا الخاطفين وحالوا دون استكمالهم لرحلتهم، ما أدى إلى فقدان السيطرة على الطائرة ومن ثم سقوطها. وبالنسبة لمعظم الأميركيين يشكل الفيلم فرصة للتذكير بأن مئات الأشخاص كانوا منخرطين في الكارثة سواء كركاب للطائرة، أو كمراقبين للملاحة الجوية. وهؤلاء المهنيون ذوو القدرات العالية، والذين هم أيضاً مواطنون أميركيون، من غير المرجح أن يشاركوا في مؤامرة تهدف إلى توريط "القاعدة" عمداً لتبرير تصرفات "العم سام". وحتى لو افترضنا جدلاً أن كل هؤلاء الأميركيين كانوا متواطئين في مؤامرة كبرى، فإنه من المستحيل أن تمر أربع سنوات ونصف على الحادث دون أن ينبس أحدهم ببنت شفة حول الموضوع.
والنقطة الثانية التي يبرزها الفيلم هي أنه حتى في ظل عدم وجود مؤامرة حقيقية تورطت فيها أميركا خلال أحداث 11 سبتمبر، فالأكيد أن هناك تواطؤاً يعزى إلى التصرفات الغبية لأكبر المسؤولين في الإدارة الأميركية. فقد بات معروفاً أنه في 2004 علم الأميركيون أن الرئيس بوش تلقى موجزاً استخباراتياً من وكالة الاستخبارات المركزية في 2 أغسطس 2001 تحت عنوان "بن لادن مصمم على ضرب الولايات المتحدة"، بل وسلطت الوثيقة الضوء أيضاً على "الاستعدادات الجارية لتنفيذ اختطافات، أو هجمات أخرى". ومع ذلك يبدو أن البيت الأبيض لم يأخذ تلك التحذيرات على محمل الجد، بل لم يبد أي من المسؤولين الكبار، الذين يمكنهم اتخاذ القرار، اهتماماً حقيقياً بما كان يخطط له زكريا الموسوي، المتهم الذي اعتقل في وقت سابق. ورغم أن الفيلم يركز خصوصاً على مصير ركاب رحلة 93 ولا يكشف الصورة العامة، إلا أننا نستطيع تلمس التراخي الرسمي الذي اتسم به التعامل مع الأحداث كما كانت تجري وقائعها في ذلك اليوم الدامي من سبتمبر 2001. فبالرغم من معرفة السلطات بتعرض إحدى الطائرات للاختطاف في الساعة الثامنة وثلاثين دقيقة من 11 سبتمبر، سمح للطائرة المسجلة تحت رحلة 93 بالإقلاع من مطار "نيوارك" بفارق 12 دقيقة عن إقلاع الطائرة الأولى. وبعد أربع دقائق فقط ضربت الطائرة الأولى البرج الشمالي لمركز التجارة، فيما كانت الرحلة 175 قد اختطفت هي الأخرى.
وحتى بعد أن اكتشفت عمليات الاختطاف فشل مكتب التحقيقات الفدرالي في تحذير الطيارين، ناهيك عن توجيه الأمر لهم بالهبوط. ولاشك أن تلك الإجراءات كان من شأنها منع وقوع كارثة الرحلة 93، ما دام الهجوم على قمرة القيادة لم يبدأ إلا في الساعة التاسعة والربع. وفي تلك الأثناء ارتطمت الطائرة الرابعة المسجلة تحت رحلة 77 بالبنتاجون في تمام الساعة 9:39 أي بعد ساعة تقريباً على ضرب الطائرة الأولى لبرج مركز التجارة العالمي. واللافت للنظر أن مقر قيادة الجيش الأميركي في البنتاجون لم يكن محمياً من القذائف المدنية مثل الطائرات المختطفة. فلماذا فشل "العم سام" في تجنب الكارثة؟ يرجع السبب إلى تركيز الحكومة الأميركية في ذلك الوقت على أخطار الصواريخ البالستية للصين وكوريا الشمالية، وكذلك تركيزها على وضع الخطط لغزو العراق. فتم نتيجة لذلك التهوين من خطر التعرض لهجوم من عدو غير نظامي.
أما النقطة الثالثة التي يثيرها الفيلم، وإنْ بشكل غير مباشر، فهي اليقظة الراهنة للمسؤولين الأمنيين في الولايات المتحدة. فبعد 11 سبتمبر توقع البعض أنها لن تكون سوى البداية، ليتبين لاحقاً أنها كانت الحادثة الأخيرة. لكن يبقى أن أسجل نقطة أخيرة لصالح الفيلم فهو رغم إثارته لذكريات مروعة نجح في التعبير الصريح عن حب الوطن والاحتفاء بالحياة.
جيمس بنكرتون
ـــــــــــــــــــ
كاتب ومحلل سياسي أميركي
ـــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز واشنطن بوست"