اعتبر تقرير تقييمي أعد مؤخراً أن شركة الهندسة الأميركية "بارسونز" التي فازت بحصة كبيرة من عقود إعادة إعمار العراق بعد الحرب قد عجزت عن تحقيق الأهداف المرجوة منها، حيث أشارت الوثائق إلى الأداء الهزيل للشركة، فضلاً عن تقصير الحكومة الأميركية إخضاع عمل الشركة للمراقبة الحثيثة. فقد كان متوقعاً من الشركة أن تتولى إعادة بناء البنية التحتية العراقية في مجالي الصحة والأمن، غير أنه من بين 150 عيادة طبية كان مقرراً بناؤها أفاد التقرير التقييمي أن الشركة لم تنجز سوى 20 منها، كما أن المعدات الطبية المخصصة للعيادات التي تبلغ قيمتها 70 مليون دولار ظلت مركونة دون استعمال. ويضاف إلى ذلك أن الشركة لم تتمكن من إعادة تأهيل سوى 12من بين 20 مستشفى كان مقرراً أن تتولى ترميمها. أما القلاع الحدودية التي عُهد إلى الشركة ببنائها على امتداد الحدود العراقية- الإيرانية فقد تبين أنها تفتقد إلى الجدران. وأشار التقرير التقييمي أيضاً إلى أن محطات إطفاء الحرائق تفتقر إلى معايير السلامة.
ويظهر عجز الحكومة الأميركية في تتبع أعمال الشركة ومراقبتها من خلال فشل وحدة المهندسين التابعة للجيش الأميركي في التعاطي مع الشركة، حيث تلكأت الوحدة في التحقق من مدى تقيد الشركة بالتزاماتها. وقد جاء التهاون الرسمي في التعامل مع "بارسونز" في الوقت الذي كانت فيه الشركة تنفق 186 مليون دولار لبناء العيادات الطبية في العراق. وحسب ما ورد في نسخة من التقييم حصلت عليها صحيفة "لوس أنجلوس تايمز"، فإن 60 مليوناً من ذلك المبلغ أنفقتها الشركة في مجالي الإدارة والتسيير بعيداً عن الأهداف المرصودة مسبقاً. والتقرير، بالإضافة إلى الحوارات التي تضمنها، سلط الضوء أيضاً على الفشل الذريع في أحد أهم مجالين مرتبطين بإعادة إعمار العراق وهما الصحة والسلامة اللذان من المفترض أن يساهما في كسب تعاطف العراقيين، والتقليص بالتالي من الخطر المحدق بالقوات الأميركية. ومن ناحيتهم رفض المسؤولون في شركة "بارسونز" الرد على ما جاء في التقرير الذي أشرف على إعداده المفتش العام الأميركي المكلف بمراقبة جهود إعادة الإعمار في العراق.
"جينجر كروز"، نائب المفتش العام المكلف بالمراقبة قال: "هناك العديد من الجهات تستحق اللوم". ففي السابق ورغم تحجج شركة "بارسونز" بصعوبة الوضع الأمني في العراق وعرقلته لجهودها، فإنها استطاعت على الأقل استكمال بناء مبنيين تابعين للحكومة العراقية، فضلاً عن إقامة العديد من قاعات المحاكم، ومشاريع أخرى تهم البنية التحتية النفطية. وفي محاولة للتملص من تهمة التقصير وجهت وحدة المهندسين في الجيش الأميركي في معرض ردها على ما ورد في التقرير رسالة وقعها الجنرال "ويليام ماكوي" يقول فيها "منذ البدء في مشروع بناء عيادات طبية كشفت شركة بارسونز عن عجزها، حيث لم تستطع الالتزام بالشروط التعاقدية بسبب مجموعة من الأخطاء الجوهرية في الإدارة والمسائل التقنية". وكتب "ماكوي" مضيفاً "لقد تجاهلوا، أو عجزوا عن الرد بشكل مناسب على خطابات الحكومة المتعددة التي عبرت عن انزعاج المسؤولين من مثل تلك القضايا. وفي بعض الأحيان رفضت الشركة تزويد الحكومة بالمعلومات الأساسية التي كان من شأنها تمكين المسؤولين من اتخاذ القرار الصائب ومساعدة بارسونز على إعادة السيطرة على الوضع والتقليل من التكاليف".
يذكر أنه في سنة 2004 منحت شركة "بارسونز" وشركاؤها بشكل تنافسي عقوداً تزيد قيمتها على ملياري دولار قصد إعادة تأهيل البنى التحتية العراقية في مجالات الصحة والعدل. وبين عشية وضحاها قفزت "بارسونز" لتصبح ثاني أكبر شركة أميركية بعد "هاليبرتون" تفوز بعقود إعادة إعمار العراق. بيد أن العقود التي كانت تشمل عدة مجالات تم إلغاء العديد منها لتنحصر في إعادة تأهيل المستشفيات والمرافق التابعة لنظام العدالة مثل السجون وقاعات المحاكم، وذلك حسب توصيات التقرير التقييمي الذي سيصدر بشكل رسمي خلال الأيام القليلة المقبلة. وقد جاءت مشاريع إعادة إعمار العراق التي أعلنت عنها الإدارة الأميركية لتشكل فرصة ثمينة للشركة من أجل توسيع نطاق أعمالها إلى الخارج، وهو مجال لم تكن "بارسونز" معروفة فيه من قبل. لكن ما أن حطت الشركة رحالها في العراق حتى بدأت تواجه صعوبات كثيرة مرتبطة أساساً بموجة العنف التي اندلعت في ربيع 2004 حيث كانت القوات الأميركية تخوض معارك شرسة مع الميليشيات المسلحة في النجف والفلوجة، ما دفع الشركات الأميركية العاملة في مجال إعادة الإعمار إلى سحب موظفيها والتقليص من عملياتها.
وتفاقمت مشاكل الشركة عندما عجزت عن إرسال مهندسيها إلى مواقع الإنشاءات بسبب الوضع الأمني المتدهور واعتمادها بشكل كلي على المواطنين العراقيين والمتعاقدين. كما واجهت الشركة صعوبات في الحصول على عمالة ماهرة، واقتناء مواد البناء ذات الجودة العالية. والنتيجة أن ارتفعت التكاليف وتأخر استكمال المشروعات، حيث لجأت الشركة حسب وحدة المهندسين إلى خداع المسؤولين وإيهامهم بأن المشروعات تتقدم إل