هناك مؤشرات إيجابية صادرة عن حركة "حماس" مؤخراً، تفيد أن قيادة الحركة في الداخل والخارج وفي السجون وفي رئاسة الحكومة، مندمجة حالياً في مناقشة بدائل سياسية بهدف فك الحصار الأميركي- الإسرائيلي على الحكومة الفلسطينية، تتمثل هذه المؤشرات في تسريبات صحفية تقدمها بعض العناصر القيادية في الحركة. وإذا ما تأكدت هذه المؤشرات، فإن أفقاً سياسياً جديداً يمكن أن يُفتح لكسر الحصار وإدماج حكومة "حماس" في العملية السياسية. في تقديري أن أفضل البدائل السياسية التي يمكن أن تستقر عليها "حماس" هو بديل مبادرة السلام العربية التي أقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002.
لقد جرب قادة "حماس" إطلاق تصريحات مرنة تعبر بأشكال ضمنية عن استعدادهم للتعاطي مع الصراع بمفردات السياسة، غير أن كل هذه التصريحات لم تنجح في كسر طوق الحصار بدءاً من تصريحات خالد مشعل عن استعداد الحركة للتعامل بواقعية مع الاتفاقيات الموقعة وانتهاءً بتصريحات إسماعيل هنية عن رفضه أن يقوم ابنه بعمليات انتحارية، وأنه لم يسبق له أن أصدر أمراً للقيام بمثل هذه العمليات. إن المطلب الأميركي- الإسرائيلي المشترك يركز على ضرورة اعتراف "حماس" بإسرائيل وإعلان نبذ العنف والاعتراف بالاتفاقيات الموقعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير. وموقف "حماس"، كما أفهمه، لا يمانع في تحقيق هذه المطالب بشرط أن يحصل مقابلها على مكاسب سياسية مؤكدة على هيئة وعود أميركية على الأقل، بإنشاء الدولة الفلسطينية على كامل أرض الضفة وغزة، أو مقايضة كتل الاستيطان اليهودي بمناطق مساوية في المساحة تقتطع من دولة إسرائيل لصالح الدولة الفلسطينية. المبادرة السياسية بين الطرفين غير متكافئة بالطبع، بدليل القدرة الأميركية- الإسرائيلية على إحكام الحصار الدولي والإيحاء بأن عُمر حكومة "حماس"، قد لا يزيد على شهور الصيف الحالي. من هنا يأتي اقتراح الممثلين الدائمين في جامعة الدول العربية، منذ أسابيع على، محمود الزهار أثناء زيارته للقاهرة، كمخرج مناسب ليس فقط بالنسبة لحكومة "حماس" بل أيضاً بالنسبة للإدارة الأميركية التي تدرك أنها تدفع ضريبة باهظة في المنطقة العربية نتيجة عدم قدرتها على اتخاذ موقف متوازن بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني.
لقد وعد محمود الزهار بالنظر مع قيادته في الاقتراح المقدم له، بأن تعلن "حماس" اعترافها بمبادرة السلام العربية. وإذا ما عجلت "حماس" باتخاذ موقف مؤيد للمبادرة، فإنها ستمكن الدبلوماسيات العربية من التحرك الفعال لتعديل الموقف الأميركي. لقد صدر تلميح من بعض المسؤولين في "حماس"، يتهكم على مبادرة السلام العربية بالقول إن إسرائيل قد رفضتها، وبالتالي أصبحت بلا أثر ولا وزن.
غير أنني أخالف هذا الفهم خاصة إذا انتبهنا إلى أن خطة "خريطة الطريق" التي أطلقتها الإدارة الأميركية بالتعاون مع الرباعية الدولية، تضع المبادرة العربية في صدر المرجعيات التي سيتم تنفيذ "الخريطة" على أساسها.
وإذا كانت حكومة شارون قد أثبتت في تحفظاتها على "خريطة الطريق"، عدم اعترافها بالمبادرة العربية كإحدى المرجعيات، فإن هذا التحفظ يخص إسرائيل ولا يلزم الولايات المتحدة التي تتطلب مصالحها في المنطقة إزاحة موجات الكراهية الشعبية الناجمة عن الإحساس بانحيازها الدائم لإسرائيل ومواقفها المتعنتة.
في تقديري أن إقدام "حماس" على إعلان اعترافها بالمبادرة سيعيد طرحها بقوة في الكواليس الدولية، باعتبارها مخرجاً من الوضع المتأزم الحالي، وهو مخرج تحتاجه حكومة "حماس" والإدارة الأميركية والمجموعة العربية على حد سواء لكسر الجمود وإطلاق العملية السياسية على أساس التفاوض خاصة مع انتهاء تشكيل الحكومة الائتلافية الإسرائيلية الجديدة.
كلما عجلت "حماس" بتبني المبادرة، كلما غيرت ملامح الوضع الراهن، وخاصة أن شركاء الائتلاف مع حزب "كاديما" وهما حزبا "العمل" و"شاس" يصممان على أن التفاوض على الحل النهائي هو الطريق الأفضل لإسرائيل، وليس الحل أحادي الجانب. عنصر الوقت شديد الأهمية وأرجو أن تضعه "حماس" في الاعتبار.