خلال عصور التاريخ المتعاقبة، لطالما وقع الجزء الأكبر من الحمل والإنجاب، أو عدم الإنجاب، على كاهل المرأة وحدها. ففي حالة عدم قدرة الزوجين على الإنجاب، كانت المرأة دائماً هي المتهم الأول، والوحيد غالباً. وفي حالة عدم رغبة الزوجين في الإنجاب، كانت المرأة هي المسؤول الأساسي عن عدم حدوث الحمل من الأساس، أو التخلص منه بطريق الإجهاض، إذا ما حدث. فعلى سبيل المثال، تشير المراجع التاريخية إلى أن نساء فراعنة مصر القديمة، كن يستخدمن تحاميل مهبلية، مصنوعة من مواد حمضية –مثل روث التماسيح كما يزعم البعض-، يتم تزليقها باستخدام الزيوت الطبيعية أو عسل النحل. ومثل هذه التحاميل كانت بلاشك ذات فعالية في قتل الحيوانات المنوية، وإن كانت تلك الفعالية محدودة. وبمرور الوقت، أخذت مسؤولية عدم الإنجاب في المجتمعات الحديثة، طابع المشاركة بين النساء والرجال إلى حد كبير، إما في شكل حبوب منع الحمل للنساء غالباً، أو في شكل العوازل الطبية للرجال. وبخلاف هذه الوسائل المؤقتة والآنية، أتاح الطب الحديث وسائل أكثر ديمومة للتوقف عن الإنجاب، مثل استئصال الرحم وربط قنوات المبيض للنساء، أو ربط قناة المني -القناة الدافقة- (vas deferens) لدى الرجال.
وفي هذا الأسلوب الأخير، يتم قطع وإغلاق القناة الموصلة بين الخصيتين وبين غدة البروستاتا، مما يمنع الحيوانات المنوية الموجودة في الخصيتين من الوصول إلى السائل المنوي، حيث تموت لاحقاً ليتم امتصاصها من قبل الجسم. وعلى الرغم من أن ربط القناة الدافقة لدى رجال، يعتبر أكثر أساليب منع الإنجاب فعالية، وأكثرها أمناً وسلامة، إلا أن هذا الإجراء الجراحي يلقى قبولاً متفاوتاً بين شعوب ومناطق العالم المختلفة. وهو ما جعل الإجراء المماثل الخاص بالنساء، والمتمثل في ربط قنوات المبيض، أكثر شيوعاً واستخداماً كوسيلة دائمة لمنع الحمل. ويعود فقدان شعبية ربط قناة المني لدى الكثير من الرجال، بسبب عدم إمكانية عكس نتائجه في غالبية الأحوال. فالرجل الذي يخضع لمثل هذا الإجراء، يظل عاجزاً عن الإنجاب طوال البقية الباقية من حياته. ومثل هذا الجانب السلبي الكبير لربط قناة المني، دفع البعض للتفكير في أسلوب آخر يعتمد على سد القناة، وليس قطعها وإغلاقها التام. فمثلاً يمكن استخدام سدادة من "السيلكون" تحقن داخل القناة، وهو الأسلوب المستخدم حالياً من قبل آلاف الرجال في الصين. بينما يسعى الباحثون في كندا والولايات المتحدة، إلى تطوير جسم من "السيلكون" أيضا، تتم زراعته بشكل مباشر داخل القناة. أما في الهند، فقد نجح علماؤها في تطوير مادة خاصة (RISUG)، يمكنها أن تحقن مباشرة داخل القناة المنوية، وتتميز بعدة ميزات عن "السيلكون" المستخدم في الصين. وعلى الرغم أن جميع هذه الأساليب يمكن عكسها وقت الحاجة، واستعادة الخصوبة الكاملة مرة أخرى، إلا أن ما يعيبها هو اعتمادها على أساليب جراحية نافذة، تتطلب الحقن والشفط والزرع، والتي لابد أن يقوم بها طبيب متخصص، مدرب في هذا المجال بالتحديد. وهو ما دفع الكثيرين للتفكير في طريقة أخرى، يمكن أن يستخدمها الرجال لمنع الإنجاب، وتعتمد على عقاقير طبية وهرمونات طبيعية، تماماً مثل حبوب منع الحمل المستخدمة لدى النساء.
هذا الهدف، الذي أصبح يطلق عليه اسم حبوب منع الحمل للرجال، يحاول العلماء تطبيقه باستخدام أساليب وطرق مختلفة. الأسلوب الأول يعتمد على منع الحيوانات المنوية من النمو من الأساس، من خلال وقف عمليات حيوية ضرورية لاكتمال مراحل نموها الأولية في الخصيتين. ويمكن تحقيق هذا الهدف من خلال استخدام تباديل وتوافيق من عدة هرمونات، أو باستخدام مواد كيميائية خاصة (Ionidamine). ولكن بما أن عملية اكتمال نمو الحيوانات المنوية في الخصية تستغرق 72 يوماً، نجد أن الهرمونات والمواد التي تؤثر بشكل مباشر على الخصيتين، تستغرق نفس الوقت حتى تؤثر على نمو الحيوانات المنوية. أي أن الرجل الذي سيستخدم هذا الأسلوب، سيظل قادراً على الإنجاب لمدة 72 يوماً منذ بدء تناوله للهرمونات. ولتخطي هذه العقبة، يحاول العلماء حالياً التركيز على وقف المراحل الأخيرة فقط من نضوج الحيوانات المنوية، أثناء وجودها في جزء خاص من القناة المنوية (Epididymis)، وبعد خروجها من الخصيتين. هذا الأسلوب يعتبر الأكثر تبشيراً بالنجاح، وهو ما حدا باثنتين من أكبر شركات الأدوية في العالم لضخ استثمارات ضخمة في الأبحاث المتعلقة به، حيث يتوقع له أن يحقق أرباحاً ضخمه بعد وصوله إلى الأسواق في شكل منتج فعال، وسريع التأثير. وبالفعل خطا هذا الأسلوب خطوة مهمة هذا الأسبوع، نحو الخروج من معامل الأبحاث إلى التطبيق العملي. ففي العدد الأخير من الدورية العلمية المرموقة (The Lancet)، نشرت نتائج دراسة أجريت على 1500 رجل، كانوا يستخدمون هذا الأسلوب ضمن تجارب إكلينيكية، حيث لم تثبت فقط فعاليته، بل ثبتت أيضاً قدرة الرجال على استعادة خصوبتهم بمجرد التوقف عن تعاطي الهرمونات التي منعت حيواناتهم المنوية من الوصول إلى تمام النضج.