يكشف الحوار العام الدائر هنا في الولايات المتحدة حول مختلف جوانب السياسات الأميركية الشرق أوسطية, عن حقيقة مزعجة تتمثل في جهل الأميركيين بالعالم العربي وثقافته. وهذا هو عين السبب الذي جعل من المناقشات السياسية الأميركية حول الشرق الأوسط, بعيدة عن السياق والمعنى. بل هو السبب عينه وراء قبول الأميركيين للقرارات السياسية السيئة والمجحفة بحق العرب, وبتعامل واشنطن معهم على نحو يقصيهم تماماً عنها. واعترافاً منها بهذه الفجوة المتزايدة, فقد اقترحت إدارة بوش وغالبية مؤسسات البحث والدراسات الأميركية ذات الصلة بالسياسات الخارجية, إطلاق حملة للدبلوماسية الشعبية داخل الولايات المتحدة, باعتبارها حلاً للمشكلة. وعلى الرغم من عدم وجود أدنى شك في جهل غالبية العرب بأميركا وبثقافتها السياسية والاجتماعية المعقدة, فإن الحاجة الأكثر مساساً هي فهم أميركا للعالم العربي. وفي كل هذا جملة من التحديات الواجب على القيادات العربية الاستجابة والتصدي لها.
والمقلق في هذا الوضع, عمق العلاقات التي تربط أميركا بهذه البقعة المهمة من العالم. والأكثر أهمية في هذه المسائل كلها, العلاقات الإنسانية بين الطرفين. فقد حارب في المنطقة العربية ما يزيد على مليون امرأة ورجل أميركي, ويقيم فيها ويعمل ما يزيد على مئة ألف أميركي في مختلف البلدان العربية ودول الخليج, بينما يزورها سنوياً مئات الآلاف منهم لأغراض متعددة, منها النزهة والسياحة.
ومن الجانب الآخر فإن للعرب تاريخاً طويلاً من العلاقات والتواصل مع أميركا. بل الحقيقة أن ما يزيد على 3 ملايين من الأميركيين, ينحدرون من أصول عربية, في حين وفد إلى الولايات المتحدة, مئات الآلاف من الطلاب لتلقي الدراسات العليا في مختلف المجالات والتخصصات. بل الحق يقال إن عدداً مقدراً من أعضاء المجالس الوزارية للدول الخليجية العربية, تلقوا تعليمهم في الجامعات والمؤسسات التعليمية الأميركية. وفي الوقت ذاته, زار ملايين العرب الولايات المتحدة بقصد إنشاء الشراكات أو النشاط الاستثماري هناك. وفضلاً عن هذا الجانب الإنساني, هناك المصالح الاقتصادية والتجارية المشتركة بين الطرفين. وعلى سبيل المثال, فإن الشركات الأميركية تمثل أهم مصدر للاستثمار في الكثير من الدول العربية وأميركا على حد سواء. وفي المقابل، فإن معظم عائدات الاستثمارات الأجنبية, إنما تعود لأميركا قبل غيرها. وإلى هذا كله تضاف حقيقة أن الولايات المتحدة الأميركية, أنفقت من الأموال المخصصة للعون الأجنبي, وباعت من الأسلحة وأرسلت من القوات والجنود, وخاضت من الحروب, وفقدت من أرواح أبنائها وبناتها, واستثمرت من رأسمال السياسي والدبلوماسي في المنطقة العربية, أكثر مما فعلت في أي مكان آخر في الكرة الأرضية, منذ نهاية حرب فيتنام.
ولكن المؤسف رغم كل هذه الحقائق, أن العالم العربي لم يكن ليعني شيئاً البتة لغالبية الأميركيين, إلا عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وقد نجح التسعة عشر إرهابياً الذين شاركوا في تلك الهجمات من العرب, في تدمير تلك الوشائج وتغيير كل الذي ربط بين أميركا وبلدانهم. وفي غمرة الخوف والغضب العارم تلك, تداعى إلى مؤسسات الصحافة والإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة, خبراء ومعلقون أميركيون, يجهل بعضهم الفارق ما بين إيران والعراق, وآخرون معروفون بمواقفهم المنحازة ضد العرب, وغيرهم ممن أطلق عليه لقب "خبير" لمجرد معرفته بعدد محدود من الكلمات العربية مثل "جهاد وشهيد ومدرسة ووهابي" وغيرها. فكانت النتيجة النهائية لكل هذا, تكريس صورة سلبية عن العرب والعالم الإسلامي. تلك هي الظروف التي نجحت فيها الإدارة الحالية, في تحويل شارون إلى "رجل سلام", في حين واصلت ضغطها على الفلسطينيين ومطالبتهم بتحقيق الديمقراطية في وطنهم, قبل مطالبتهم بحقهم الأصلي.
ولما كانت الكثير من القيادات العربية قد أدركت خطورة هذه الفجوة التي بدأت تفصل ما بين بلدانها والولايات المتحدة, بل شرع بعضها في إطلاق عدة مبادرات لتعريف الأميركيين بالعالم العربي والإسلام, فمن الأولى تصدي هذه القيادات لإطلاق أوسع حملة ممكنة للدبلوماسية الشعبية العربية في أميركا.