من بين الأسباب الأكثر شيوعاً التي "تسعد" الصغار في السنوات الدراسية الأولى مع اقتراب الموسم الدراسي من الانتهاء هو إنهاء العلاقة مرحلياً مع الهم اليومي الثقيل ممثلاً في الحقيبة المدرسية. والحديث عن ثقل الحقيبة المدرسية ليس نوعاً من الترف الفكري أو حشو الفراغات والمساحات، بل يمثل مسألة حيوية إذا أدركنا حجم السلبيات الصحية التي يتسبب فيها ثقل وزن الحقيبة المدرسية، ففي المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، يقول خبراء في العلاج الطبيعي إن 80% من طلاب المدارس السعودية يعانون آلاماً في الظهر جراء حمل الحقيبة المدرسية، وإن آلام الظهر تحتل المرتبة الثانية وراء أسباب زيارة الطبيب بعد نزلات البرد!!. وإذا كان البعض يرى أن الحقائب ذات العجلات قد أنهت المشكلة، فإن الخبراء يرون أن ضخامة الثقل عند سحب الحقيبة تؤثر أيضاً في الرّقبة والذّراعين والكتفين وحتّى القدمين.
وقد تسبّب أحياناً ضغطاً على القلب والرّئتين نتيجة تشوّه الهيكل العظمي.
الأمر هنا لا يتعلق فقط بالتكوين الجسماني لشباب المستقبل، رغم الأهمية القصوى لذلك باعتبار أن الشباب هم عماد التنمية، بل إن المسألة تفرز تداعيات سلبية عديدة، منها مثلاً إمكانية تقلص الأعداد المؤهلة للخدمة في قطاعات حيوية مثل الخدمة العسكرية والشرطة والطيران وغير ذلك بسبب وجود تشوهات في الجهاز الحركي.
المشكلة أن تشوهات العمود الفقري قد لا تكتشف سوى في مرحلة المراهقة والشباب عندما تصبح التشوهات ظاهرة، والأطباء يقولون إن مراكز النمو في العظام تكون قابلة للتأثر بدرجة عليا في السن الصغيرة، والطريف أن إحدى الدراسات الغربية قد أحصت مجموع ما يحمله التلميذ طيلة العام الدراسي من كتب دراسية، فاكتشفت أن الطفل ربما يحمل كتباً ودفاتر يعادل وزنها نحو 2 طن سنوياً!!.
بالتأكيد تلاميذ مدارسنا لم يصلوا بعد إلى تحقيق هذا الرقم القياسي في حمل الحقائب ليس لخفة وزن الحقيبة المدرسية، ولكن لقلة عدد أيام العام الدراسي وكثرة العطلات والإجازات مقارنة بالدول الغربية المتقدمة تعليمياً، ولكن الواضح أن تلاميذنا يحملون يومياً أضعاف الأثقال المفترضة في الحقيبة المدرسية، حيث يشار إلى أن الحقيبة ينبغي ألا تتجاوز 15% تقريباً من وزن الطفل، في حين أن الحاصل يبدو غير ذلك تماماً في كثير من المدارس.
المسألة في ظاهرها لا تبدو غائبة عن وزارة التربية والتعليم، فهناك دراسة أعدتها الوزارة منذ سنوات بهدف التعرف إلى مدى مناسبة وزن الحقيبة المدرسية وأوصت بضرورة وجوب السعي إلى التخفيف من ثقلها. وبالطبع أيضاً فإن الحلول معروفة، ولكن معرفة الحلول ووضع البدائل فقط ليسا كافيين لإنهاء الإشكاليات، بل إن وضع الإجراءات التي تمتلك قوة التنفيذ والمتابعة والمراقبة هي الفيصل في تحديد فاعلية الكثير من الحلول للقضاء على المشاكل والتعامل معها على المدى الزمني البعيد.
الحقيبة المدرسية هي جزء من البيئة التعليمية الطاردة، وهي أيضاً جزء من الاعتماد المتزايد على شريحة العمالة المنزلية التي تضطلع بدور "حامل الحقيبة" للأبناء، والتخلص من هذا الكابوس ربما يقدم إسناداً ولو ضئيلاً للحلول التي تستهدف تطبيع العلاقات بين الصغار ومدارسهم واستعادة صورة المدرسة كبيئة جميلة محببة لدى التلاميذ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية