ستعقد في الثامن من مايو القمة الخليجية التشاورية الثامنة في العاصمة السعودية الرياض، قمة بدون جدول أعمال وبدون توقع صدور بيان ختامي. قمة تشاورية بالمعنى الحرفي للكلمة، جلسة حوار للزعماء الخليجيين أو من ينوب عنهم بدون تعقيدات المراسيم المصاحبة للقمة الدورية، جلسة لا تحددها الملفات المتزاحمة على جدول الأعمال ولا يؤرقها الإجماع المطلوب في القرارات المعلنة، ولا الصياغات البليغة للبيانات الختامية. فبعد ربع قرن على إنشاء مجلس التعاون الخليجي وبعد إقرار آلية القمم التشاورية وصل العمل الخليجي لمرحلة من النضج السياسي، مرحلة تتطلب تحجيم ملفات وتقليص جدول الأعمال المعلن وغير المعلن ووضع الأهم خليجياً، فالمهم لينتقل العمل الخليجي من مرحلة تزاحم الملفات المعروضة في القمم الدورية أو القمم التشاورية بدءاً بملف القضية الفلسطينية ومروراً بالعراق وإيران ولبنان ومكافحة الإرهاب والإصلاح، وانتهاءً بتطورات مسيرة التعاون المشترك في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والعسكرية، وأخيراً وليس آخر الأمنية. جداول أعمال مزدحمة لا يتوفر الوقت عادة لمناقشتها فما بالك باتخاذ قرارات حيوية تأتي بالجديد، لا تعيد ترديد أبجديات القرارات السابقة أو تلك المرحَّلة من سنة لأخرى. صحيح أن قمم القادة هي مناسبات احتفالية، قمم سياسية تتوج عملاً مضنياً لاجتماعات ومشاورات وزراء الخارجية وصياغات أعدتها اللجان الفنية المشتركة بانتظار تصديقها من القادة في قمتهم. مرحلة تتطلب التركيز على الداخل والأهم كعنوان رئيسي يحدد مسارات النقاش في القمة التي ستستمر ليوم واحد. لكن ما الجديد المنتظر في القمة التشاورية القادمة؟ وإن كانت القمة بلا جدول أعمال معلن ما هو الحد الفاصل بين القضايا الخليجية الخاصة "الداخلية" أو لنقل "البينية" والقضايا العربية؟ وهل ما سيناقش بالرياض ستحكمه أولوية العمل الخليجي المشترك أم ستظل دول الخليج ترحل ملفاتها العالقة بالتركيز على ملفات "الخارج" عوضاً عن إصلاح البيت الخليجي. هي مناسبة لطرح سؤال مستقبل العمل الخليجي المشترك.
رغم طبيعة القمة التشاورية والـ"لاجدول أعمال" فإن الملفات السياسية قفزت على مائدة القادة قبل القمة، ملفات لا يمكن أن تكون إلا حاضرة كالقضايا الأمنية وبقوة، وملفات تفرض نفسها على أية مناقشات خليجية كالتسلح النووي الإيراني وأخرى لا يسع القادة غض الطرف عنها كالأوضاع السياسية والأمنية في العراق، وملفات حاضرة كهم عربي إسلامي مشترك كالقضية الفلسطينية، وملفات ثابتة كملف الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة. الملفات الاقتصادية عبَّر عن أهميتها الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي قائلاً بأن: "القادة سيطلعون على تقرير اقتصادي حول مسيرة التعاون منذ انعقاد القمة الـ26 في أبوظبي حتى الآن". فإذا حضرت الملفات الاقتصادية هل تتوارى الملفات السياسية، مشكلة الدول الخليجية أن الحد الفاصل بين الداخل والخارج غير مرئي، فيتداخل الخارج العربي مع المحلي الخليجي مع العوامل الخارجية إقليمية أو دولية، وفي منطقة من أسخن المناطق في العالم. فالقضايا السياسية والأمنية ستتصدر جداول الأعمال رغم أهمية القضايا الاقتصادية، وستكون حاضرة في كل اللقاءات الثنائية والقمم، فحتى لو حملت القمة شعار الاقتصاد أولاً فالسياسية ستسبقها وقبل أن تسمى قمة المصالحة ستفرض الملفات الأمنية نفسها على القادة، لذا فالخيار بين التركيز على الداخل الخليجي والخارج العربي أو الإقليمي أو الدولي نظري في أغلب الأحوال. ومع إقرار دول المجلس بأن الحديث في الملفات الاقتصادية هو حديث في المستقبل إلا أن الحديث السياسي الآني يطرح نفسه وبقوة.
كان إعلان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أن "إيران صارت قوة نووية" محل قلق خليجي مشروع خاصة وأن طهران مستمرة في تحدي المجتمع الدولي، فجارتنا الشمالية لازالت تستمر في احتلال جزر طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى، وتستعرض قواتها المسلحة في مياه الخليج في مناورات بحرية اقتربت فيها طهران إلى حد تجاوز الخط الأحمر. فالملف النووي الإيراني سيفرض نفسه على القمة التشاورية لأنه "يدخل في صلب المصالح الحيوية ويرتبط بمقومات توفير الأمن والأمان لشعوب المنطقة كافة بما فيها الشعب الإيراني"، حسب ما صرح الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي. دول المجلس ليست في مزاج تصعيدي بخصوص إيران، لكن التساهل الخليجي الذي ظهر في البيان الختامي للقمة الدورية السابقة –قمة أبوظبي- حيال إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، والمطالبة بإخضاع منشآت إسرائيل للتفتيش الدولي دون تسمية إيران على الرغم من الزخم الإعلامي المرافق للبرنامج النووي الإيراني ووجود قلق خليجي متصاعد من البرنامج النووي الإيراني فإن الإحجام الرسمي عن توضيح أسباب إغفال ذكر اسم إيران في البيان الختامي أثار تساؤلات مشروعة وأثار شكوكاً معقولة بوجود خلافات خليجية حيال التعاطي مع إيران. لقد سلكت دول الخليج بما فيها دولة الإمارات العربي